السبت، 4 أكتوبر 2014

كيف تعمل المنظمات المشبوهة


كيف تعمل المنظمات المشبوهة



فارس حامد عبد الكريم

المنظمات المشبوهة هي وليدة المنظمات السرية الام ، حيث تتفرع من هذه المنظمة السرية الام العديد من المنظمات الوليدة العلنية التي تمارس نشاطها في العديد من الدول، وفي الغالب تكون المنظمة الام جزء من جهاز مخابرات دولة اجنبية بينما تتخذ المنظمات الوليدة اشكال متعددة مثل الشركة او الجمعية او المؤسسة او الحزب او حركة تحرير ....

خصائص المنظمات المشبوهة :
ان تحديد خصائص المنظمات المشبوهة ودراستها باسلوب علمي يتطلب دراسة متعمقة ، الا ان هدفنا من هذا البحث الموجز هو هو تنوير ابناء شعبنا وامتنا، حتى لا يكون اياً منهم في يوم من الايام مجرد مغفل يحرك كالدمية دون ان يدرك ذلك، وهو ما يجري اليوم للاسف في العديد من الحالات.
يتضح من التأمل في التجارب التاريخية التي مرت بها الشعوب ، ان المنظمات المشبوهة تتميز بالخصائص الاتية :

1ـ لاتوجد علاقة علنية مباشرة بين المنظمة الام والمنظمة الوليدة ، حيث تنحصر العلاقة بعدد محدود جداً من الاعضاء . مهمتهم تنفيذ التوجيهات وفق خطة سرية مرسومة بدقة.

2ـ لا يعرف اعضاء المنظمة الوليدة عن المنظمة الام شيئاً ابداً، وهذا شرط اساسي ، لان المُخطط ان يعمل الاعضاء وفق الافكار السائدة في المجتمع . وهذه الافكار قد تكون من حيث الظاهر مضادة للافكار التي تتبناها المنظمة الام ولكن التوجيه يبقى بيد الاخيرة.

3ـ يكون التمويل من الشركة الام عن طريق حسابات سرية في الغالب او من خلال وسطاء ، وقد يتخذ التمويل شكل بيع الاسهم بالنسبة للشركات وخاصة الشركات التجارية المساهمة التي تعرف في فقه القانون التجاري بالشركات المغفلة أي التي لا يُعرف مؤسسها ، وبالنسبة للمؤسسات الخاصة يكون التمويل على شكل وصية بمبلغ من المال تودع في احد المصارف ، بينما تعتمد الجمعيات على جمع التبرعات فضلا عن تمويل المنظمة الام.

4ـ تعمل المنظمات بين اوساط الشباب والمراهقين ومن خلال خلق افكار متعصبة ، حيث تعمل هذه المنظمات في البلدان ذات التوجه الاشتراكي من خلال تاسيس احزاب اشتراكية او الانشقاق عن الاحزاب الموجودة ، بينما تعمل في البلدان الاسلامية من خلال تاسيس احزاب دينية متعصبة .

 ونؤكد هنا ان اعضاء المنظمة الوليدة لا يعرفون شيئاً عن المنظمة الام ويعملون باخلاص وبجد من اجل اهداف المنظمة الوليدة. وعلى هذا الحال فان اعضاء المنظمة الوليدة هم من المغفلين .

4ـ جنسية المنظمة الام مختلفة عن جنسية المنظمات الوليدة وهذا شرط اساسي، لانها تظهر للناس على انها منظمة وطنية هدفها خدمة الشعب او دعم ايديولوجية سائدة ، بينما هي توجه من من المنظمة الام من خلال قادة المنظمة الوليدة الذين يعرفون السر لوحدهم.

حيث تؤسس المنظمة الوليدة وفق قانون الدولة التي تعمل فيها وتحصل على جنسيتها وتستفيد من جميع المزايا التي يتيحها القانون الوطني للشركات والاحزاب والجمعيات الوطنية وكذلك الحال بالنسبة للمؤسسات الخيرية.

5ـ الاعلام وتجنيد المثقفين والمغفلين: تدفع المنظمات المشبوهة بسخاء لمن تجندهم من الاعلاميين او رجال السياسة او الاقتصاد او الدين وحسب الحاجة ، وينتمي هؤلاء في الغالب الى صنف المغفلين ان لم يكونوا عملاء، أي تبهرهم الافكار المعلنة المعززة بالمكافأة السخية ، وشهد الصراع العربي الاسرائيلي ، توجيهاً وادارة من قبل مثقفين وشعراء وادباء نحو الاتجاه الخطأ ، بعد ان عملوا بكل اخلاص وحماس وتفان ولكنهم كانوا في الواقع اما عملاء او مغفلين نفذوا اجندة لا يعرفون مصدرها.

ويبدو من ملاحظة الواقع ان المنظمات المشبوهة تميل في الوقت الحاضر الى توجيه المغفلين اكثر من اعتمادها على العملاء ، لان توجيه المغفلين كالدمى اسهل واقل كلفة قياساً للنتائج المتوخاة ، فضلاً عن امكانية توفير اعداد كبيرة جداً منهم، اذ من النادر ان تجد مواطناً يقبل ان يعمل كعميل ضد مصلحة بلده فضلا عن مواجهة العقوبات المشددة ، ولكن من السهل استغفال هذا المواطن من خلال ايديولوجية يتعصب لها وقيادته نحو الاهداف المرسومة للمنظمة.

 6- اصطناع قيادات سياسية وطنية : تعمل المنظمات المشبوهة على ايجاد عدد من القادة المرشحين لاستلام السلطة في أي وقت ، وتعمل على اعدادهم اعدداً ثقافياً واجتماعياً راقياً ليتمكنوا من خداع الجماهير ، وينتمي هؤلاء الى صنف العملاء في الغالب ، وقد يكون في حالات نادرة من المغفلين عندما تلاحظ هذه المنظمات ان توجهات شخصية وطنية معينة تخدم في النهاية مصالحها فتعمل على دعمه بطريق غير مباشر ، وهو دعم مؤقت لحين استنفاذ مصالحها.

قصة كامل امين :

 كامل أمين هو الاسم المستعار للجاسوس الاسرائيلي ايلي كوهين الذي ظهر على الساحة السورية كرجل وطني سوري كان يعيش في الأرجنتين وان حبه لوطنه سوريا هو الذي دعاه إلى التوجه للعيش فيها.

وقبل ان يمارس مهامه تلقى تدريباً مكثفاً ، حيث تلقى دراسات في الشريعة الاسلامية والعلوم التجارية. وتمكن من اقامة علاقات واسعة مع المسؤوليين السوريين وكان يغدق الهدايا عليهم بما يملكه من وضع مالي ممتاز ،واصبح من الشخصيات السياسية والاجتماعية المهمة في الدولة ورشح لمنصب وزير ، وعلى مدى اربع سنوات  كان يرسل رسالتين أسبوعيا إلى الموساد الاسرائيلي ، وكانت ساعة يده عبارة عن آلة تصوير فتمكن من أن يصور جميع المرافق الحيوية في سوريا.
وفي سنة 1965 وأثناء إرساله لرسالة لاسلكية تمكنت دورية سورية من التقاطها وتحديد مكان الارسال فالقي القبض عليه وبعد التحقيق معه اعترف بافعاله فاعدم في 18 أيار سنة  1965 في ساحة المرجة بدمشق.

7ـ الانقلابات العسكرية والاغتيالات: الانقلابات العسكرية والاغتيالات التي قادتها المنظمات المشبوهة ظاهرة انتشرت منذ اوائل القرن الماضي من خلال اصطناع ثورات وطنية يقودها زعماء وطنيين في الظاهر ، ولا مانع من اعلان العداء في الظاهر لدولة المنظمة الام ، وطبقت هذه الفكرة اول ما طبقت في دول الكومنولث التي كانت في الاصل خاضعة للتاج البريطاني ، فبعد ازياد نفقات الجيوش التي تحمي المستعمرات وازياد تذمر المواطنين في الدولة الام من ازدياد الضرائب التي تمول تلك الجيوش ، فضلاً عن الثورات التي قامت في الدول المستعمَرة مطالبة بنيل الاستقلال، ولدت فكرة ( خروج الاستعمار من الباب ودخوله من الشباك).

فبدلاً من تواجد عسكري ضخم يرهق ميزانية الدولة الام في الدولة المستعمَرة ، بسبب ضخامة الاسلحة وعمليات تجديدها ورواتب الجنود والتموين والنقل...، فانه بالامكان وفقاً لهذه الخطة سحب جميع هذه الجيوش ، وتأمين جندي واحد فقط لحماية مصلحة دولة المنظمة الام ، وهذا الجندي الخارق هو القائد العميل.

وهكذا فان هذا القائد (الوطني) الذي يسب ويلعن علناً دولة المنظمة الام يوفر كامل الحماية لمصالح تلك الدولة الى ان يأتي اليوم الذي ينتهي فيه دوره المرسوم حتماً.

وتعمل المنظمة الام على دعمه بكل الوسائل الممكنة اعلامياً وفنياً كما تعمل على اسكات المعارضين له في الداخل والخارج بما فيهم المنظمات الدولية التي تعنى بحقوق الانسان والحريات العامة من خلال الرشاوي او الاغتيال ان لزم الامر.

 ويزخر الواقع العربي بكثير من الامثلة على هذا النوع من الانظمة.

يتميز القائد العميل بانه يحضى بدعم شعبي غير طبيعي وترفعه الجماهير على الاكتاف ولا تؤثر هزائمه ( المخطط لها سلفاً ) على سمعته فهو على اكتاف الجماهير سواء انتصر او انهزم ، عاش الناس في جحيم في ظله او عاشوا في نعيم ، ما دامت المنظمة المشبوهة تدعمه وتحميه، فان رفعت حمايته عنها سقط سقوطاً فجائياً مدوياً.

 

قصة سلفادور الليندي:

 في نوفمبر من العام 1970 وصل الزعيم الإشتراكي سلفادور الليندي إلى سدة رئاسة جمهورية تشيلي في انتخابات حرة  ، في وقت كانت فيه الافكار الاشتراكية قد طغت في امريكا اللاتينية، وحصلت على دعم  شعبي واسع النطاق مما اشعر المنظمات الاجنبية العاملة هناك بالخطر على مصالحها وهكذا خططت لانقلاب عسكري.

انقلاب تشيلي سنة 1973:  مولت احدى فروع شركة البرق العالمية حركة انقلابية للاطاحة بالرئيس التشيلي المنتخب دستوريا سليفادور الليندي وقاد الانقلاب الجنرال أوغستو خوسيه رامون بينوشيه أوغارتا ، ونجح الانقلاب بعد مجزرة رهيبة وهكذا تولى بينوشيه رئاسة الحكومة التشيلية العسكرية منذ العام 1973 و حتى العام 1990 وكان حكم بينوشيه نموذجاً للحكم العسكري المطلق بما يتضمنه من فساد سياسي ومالي واغتيال المعارضين.وعندما انتهى دوره المرسوم ازيح عن السلطة.

كيفية تمييز المنظمات المشبوهة؟

ان تمييز المنظمة المشبوهة عن المنظمة الوطنية الحقة امر يصعب على المواطن العادي ، كما ان وجود منظمات مشبوهة لا ينبغي ان يكون سبباً في تردد المواطنين من الاشتراك في الحياة السياسية والمساهمة في رسم صورة مستقبلهم.

ان المعيار في هذا الصدد هو تاريخ المنظمة وتاريخ اعضائها ، فالمنظمات المشبوهة لا تاريخ وطني لها في الغالب وانما تظهر للسطح فجأة ومع ذلك فهي تملك امكانيات هائلة ، بينما تنمو المنظمات الوطنية الحقة بين الناس تدريجياً وامكانياتها في الغالب محدودة ، وتدخل في صراعات مريرة مع السلطة القائمة الى ان تتمكن من تحقيق اهدافها، الا ان هذا المعيار ليس حاسماً في كل الاحوال ، ويمكن الالتفاف عليه وخاصة في حالة انشقاق المنظمات ، فتثار مشكلة التمييز بين الانشقاق الطبيعي والانشقاق المفتعل .

 ولهذا لجأت العديد من الدول الديمقراطية الى حماية مواطنيها من خلال سن قانون الاحزاب ومنه نصوص تمويل الاحزاب، الذي يتم بموجبها تنظيم كيفية تمويل الاحزاب والرقابة على التمويل واشتراط كشف مصادر التمويل وان يتم التمويل عبر المصارف الرسمية وتدقيق ذلك من قبل الاجهزة الرقابية في الدولة.  

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق