دولة المؤسسات ودولة الحاشية


دولة المؤسسات ودولة الحاشية


فارس حامد عبد الكريم

الفرق بين دولة المؤسسات ودولة الحاشية او دولة البطانة، يتجسد بصفة أساسية في ان دولة المؤسسات تقوم على تنظيم قانوني وإداري مُحكم للمرافق العامة يسير على نسق ثابت لا انحراف فيه إلا على سبيل الاستثناء القانوني أو الاستثناء الذي يعد عند تحققه جريمة ذات طبيعة إدارية أو جزائية .

 وفي مثل هذا النظام الذي يستند إلى معايير موضوعية في الإجراءات     والتقييم والاختيار يأخذ كل ذي حق حقه، ويقوده أصحاب الكفاءة والمعرفة الأكاديمية في المرتبة الأولى، ويكون الهرم الوظيفي تسلسلياً ومحترماً ونادراً ما يُخرق.

أما في دولة الحاشية والبطانة فان المحور هو الفرد (الرئيس) لا المؤسسة ذاتها وكلما تغير الرئيس تغيرت التعليمات والخطط والأشخاص فيهدر الزمن والتجربة السابقة، وفيها يكون الرئيس هو صاحب القرار الأول والأخير ويبقى الآخرون كمتفرجين مهما علت مناصبهم في المؤسسة، وفيها يكون الاستثناء هو الأصل بينما يبقى الأصل كوسيلة يلجأ إليها في أوقات الأزمات او من قبيل ذر الرماد في العيون.
دولة الحاشية هي دولة الإذن المفتوحة والعين المغمضة، فهي دولة الإذن المفتوحة لأنها دولة المؤامرات والوشايات والدسائس والتلفيق والكذب المنقطع النظير، وهي دولة العين المغمضة لأنه يكفي للحكم واتخاذ القرار فيها الاستماع للخصم دون الضحية.
صاحب الكفاءة والمعرفة في دولة الحاشية مستبعد ومهمش ولا سند له ومعركته خاسرة ، بينما تكون القيادة بيد المحسوب والمنسوب والوصولي والانتهازي الذي يتسلق على أكتاف الآخرين ، والسبب هو إن صاحب الكفاءة لا يملك سلاحاً سوى شهادته وكفائته وصدقه ، بينما للانتهازي أسلحته التي تستند مادتها إلى حبك الدسائس والمؤامرات  والى اللف والدوران والكذب المنقطع النظير ، وهذه المعركة غير المتكافئة الخالية من القيم والضوابط لا يمكن ان يكسبها شخص نبيل لا يعدو سلاحه أن يكون مجرد كفاءته وإخلاصه.

 من جانب أخر تكون المعرفة الأكاديمية الصرفة في قمة أولويات دولة المؤسسات وهي تسعى إلى تنمية المعرفة الأكاديمية وتشجيع مؤسسات البحث العلمي الأكاديمي في مختلف فروع المعرفة العلمية والإنسانية التي تزود مطبقي العلوم من الناحية العملية بكل جديد في مجال الاختراع والابتكار .

بينما تقوم دولة الحاشية على فكرة متخلفة مقصودة  تقدس ما يسمى بالخبرة العملية والأعراف الفاسدة التي تقوم على إعادة تصنيع ثقافة موروثة مستهلكة ،لعدم قدرة البطانة الجمع بين الوسائل العلمية والوسائل الانتهازية في آن واحد فيؤدي ذلك الى تراجع في مادة المعرفة لعدم قدرتها على مواكبة التطور.

وعلى هذا النحو المتقدم فان ما يمتلكه الأكاديمي اليوم من معرفة في دولة المؤسسات هي بالتأكيد أكثر تطوراً وأوسع نطاقاً مما كان يمتلكه الأكاديمي قبل سنوات.

أما في دولة الحاشية فيجري الحديث دوماً عن فطاحل كانوا قبل عقود عديدة من الزمن في البلد ولا يوجد مثلهم اليوم، وهذه نتيجة طبيعية لاستهلاك القديم دون ان يحل محله علم أكاديمي جديد.
دولة المؤسسات هي دولة الديمقراطية الحقيقية والمساواة القانونية ، ويقصد بالمساواة القانونية ، ان يتساوى أصحاب المراكز القانونية المتماثلة في الحقوق والواجبات ، فحقوق المواطنة تسري على الجميع اما الحقوق الخاصة فتسري على جميع من يحوزها دون غيرهم ، كحقوق الشهادة العلمية وحقوق الشهداء وحقوق الملكية .... ، تطبيقاً للمبدأ القانوني الطبيعي ( مساواة غير المتساوين ظلم فاحش ).

بينما دولة الحاشية هي دولة الديمقراطية المزيفة والشعارات الفارغة والمحسوبية والمنسوبية (1) .

دولة المؤسسات هي دولة المراتب العلمية و المعنوية و الثقافية، فيتربع على قمة الحياة الاجتماعية العباقرة وصفوة المثقفين والأكاديميين وكل من قدم لمجتمعه خدمة جليلة.

  أما دولة الحاشية فهي دولة الطبقات بامتياز، فيتربع على قمة الحياة الاجتماعية الحاشية وحاشية الحاشية وخليط من الانتهازيين والوصوليين وأنصاف المثقفين الذي يبادرون إلى خلق ستار حديدي يصعب خرقه بين قادة البلد والمواطنين، بينما ينزل العباقرة وصفوة المثقفين والأكاديميين وكل من قدم لمجتمعه خدمة جليلة إلى مراتب متدنية .

 دولة المؤسسات تقوم على فكرة ( سلطة الشعب ) وهي دولة الثقافة والفن والأدب والشعر والأفكار النيرة في مختلف مجالات الحياة.

 بينما تقوم دولة الحاشية على فكرة ( السلطة الأبوية ) التي تسعى الى تنمية ثقافة شعبية عامة ترى في أمر اظهاد الفكر الحر امرا مقبولا ومبررا ، مما يترب عليه قتل روح الإبداع وخنق الأفكار المتنورة وإشاعة النفاق السياسي.

دولة الحاشية هي دولة السقوط المفاجئ، بينما دولة المؤسسات هي دولة البداية والنهاية التي تشبه دورة الحياة الطبيعية.

بغـداد في 17 /2/2009

*************

  سئل أحد مشايخ بني أمية بعد سقوط دولتهم عن سبب السقوط ؟

فأجاب قائلاً: ( لأنهم وكلوا الأمور الكبيرة إلى الصغار والأمور الصغيرة إلى الكبار،فلا الصغار كانت لهم كفاءة إدارة الأعمال الموكلة إليهم ولا الكبار عملوا بما أوكل إليهم لأنفتهم ، وبين هذا وذاك ضاعت الدولة ).

************

فارس حامد عبد الكريم العجرش

ماجستير في القانون

نائب رئيس هيئة النزاهة سابقاً

باحث في فلسفة القانون

والثقافة العامة

بغداد ـ العراق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق