الثلاثاء، 22 يوليو 2014

غزل حليّ ـــــ رائعة الشاعر الكبير موفق محمد


هذه رائعة الشاعر الكبير موفق محمد ( غزل حليّ ) من ديوان يحمل عنوان القصيدة نفسها
**************

ارجو ان لا يخاف احد
فانا احب الحلة
لا لأنها مدينتي
فما زلت جنينا في رحمها
اسمع صوت أمي
في هسهسة الخبز
وفي نهرها الهادر بالحمام
هذا النهر الذي مد ذراعيه وسحبني
برفق من رحمها
وخبأني وأراني ما في قلبه من تيجان
وكنوز
ولفني في سورته
حيث يفور الصبر
وتلبس الامواج عباءات الثكالى
وتسير بخطى وئيدة
فترتبك النوارس فوقها صارخة
يا نهر
انى لك هذا السواد!؟

****************
انا احب الحلة
اعشق ازقتها التي تفوح برائحة العنبر
وحليب أمي وهي ترضع آخر العنقود
على العتبة وقد طار منها..
فأين هو الان
أتراه يرى صدرا مفتوحا في عتبة
أعشق حيطانها التي أتوكأ عليها
بعد منتصف الليل فأصحو من سحر
في آجرها
في الصبح أشطف في نهرها
وأقبل مراقد الصالحين فيها
وأعتذر..

احب جسرها القديم
لم يحلق لحيته رفقا بالصبية
المتعلقين فيها
وأنام في موجة تحته
اسمع أنينه وهو يرى الجنود
العابرين الى الحروب
محترقا بالجمر الذي تتركه اقدامهم
على ضلوعه
أهذه دموع أمهاتهم!؟
قال الجسر وبكى
لو كنت فتى (وروح فدوة لعيونهم)
التي تضحك فيها الشمس
والنهر يلملم ما تساقط من ضلوعه

****************
انا احب الحلة
احب قمرها المتوهج بالسنابل
ليريني وجه حبيبي تفاحا في الليل
ويضع تحت وسادتي بعضا من حبها
فالحقل خصيب

****************
انا احب الحلة
احب خمرها الاسطوري المشعشع
في صوت سعدي الحلي
ولو اني وضعتك في فؤادي
(ولك يحبيّب يا خلي وصديقي
الى يوم القيامة ما كفاني)
وهو يكاسر بالفصحى كل همومي
ويطحن زرنيخه ونشرب معا
(يحلو الطول يسمر يا غزالي
يمن بالكون غيرك ما حلالي
اذا صفّيت بالك صفي بالي
بعد ما اعرف عمامي من خوالي)
وروحي معلقة فيك
وأمك غلقت الابواب، حكمت
مزاليجها وطوقتك بالعمات وبالخالات
المدن نساء ومباركة في النساء الحلة
احب الرازقي المتفتح في خدود فتياتها
وأذوب..
وهو يرب قلبي في الطريق الى المدرسة
احب طلابها الهاربين من رفعة العلم
ومن.. نحن اشرقنا فيا شمس اغربي
وانا شيخهم المشاكس
ادخل الصف مغنيا
سلام على هضبات العراق
فتشدو الحناجر مبللة بالندى
وشطيه والجرف والمنحنى
ويبدأ الدرس من شمس تنسكب
من نافذة الصف
فأرى سرب قلوب يرفرف فوق رؤوسهم
وعباءات تتلون فرحا

****************
انا احب الحلة لأني ولدت على بعد
موجتين من نهرها
فسمتني الحبوبة موفقا وقمطتني
بطين النهر
في المساء
اسرجت امي سبع شموع في كتاب
وسيستني بجاري البتول
داعية لي ان لا اكون شاعرا
لان أباها ـ رحمه الله ـ كان شاعرا
لا يطفر من مقلاة الا ليقع في اخرى
اشد وأقلى..
ضيع الصاية والصرّماية وتركهم بلا مأوى

****************
انا احب الحلة

 فقد علّمني نهرها القراءة والكتابة
واعارني كتبا ممنوعة
لا اعرف كيف حافظ على الدم المتخثر
فيها وهو الجاري منذ بدء الخليقة
ففي كل موجة دم ونواح
وكأن العراق ام ولد غريق تولول
ناثرة شعرها منذ بدء الشرائع في
الشرايع..
وتيقنت بأنّ النهر نواح الثكالى وأنين
المذبوحين
وان هذا الابيض المشتعل في
امواجه من منبعه الى مصبه شيب
تمشطه القرابين المسفوحة ليل
نهار..

****************
أبعد كل هذا.. لا احب الحلة
أعشقها
وأعشق مجانينها المتأبطين كتبا
من مات منهم ومن بقي على قيد الموت
اولئك الذين لم يسدوا بابا تأتي
منه الريح
اولئك الذين يطفرون الانهار طفرا
ويركضون كالغزلان في البراري، يحدو
بهم ناجح وقد شمر عن عصاه التي
لم نرها من قبل من باحثين عن عشبة
الخلود للعراق الذي لا نريده ان يموت
ولن يموت.. ولن يموت
فقد تركنا حليب فتوتنا في راحتيه
وقلوبنا في صدره
اولئك الذين يغزلون الشمس
ويجمعون حليب القمر لهذا المخاض
اولئك الذين تنظرهم الحكومات شزرا
وتود لو قطفت رؤوسهم
اولئك اخواني.. فجئني بمثلهم
المفلسين الحالمين بوطن يرفرف
في جناح اليمام
ونساء من عسل ونور
وغزل في عتمة
وكوخ على ضفة النهر
وقنينة خمر لا تفرغ ابدا
وندامى من كل بقاع الارض
وغيوم تمطرنا وردا وحمام

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق