أنا سمكة والعراق شطي
فارس حامد عبد الكريم
ليس للأحلام حدود فضلا عن إنها لا تخضع لقيود، وكل ما احلم به ان أحيا
وأموت في العراق، بلدي ووطني وأمي وأبي... وتراث أجدادي.
أهات العراق الأبدية هي نغم وجداني ودموع نخيله العسلية هي دمائي التي
تسري في عروقي ...
أحزان بلاد النهرين المتواصلة هي أغنيتي ومقاماتي، وتغريد بلابله
وزقزقة عصافيره وهديل حمامه نشيدي الوطني، دجلة والفرات نهراي الخالدان، ارض
العراق كوني ومجرتي وزهرتي وسمائي الاولى والسابعة، وخريطة العراق الملونة منقوشة
في وجداني.
سيادة العراق على أرضه ومياهه وسمائه هي سعادتي وعنوان حريتي
وديمقراطيتي الحقيقية وهاجس كل كتاباتي وغايتي التي نلتها بجهد كل أبناء الرافدين
وإن شكك المشككون.
شعب العراق أهلي ومدرستي وجامعتي وأحبُ شهاداتي، لا يطيب لي ماء إلا
ماء العراق ولا طعام غير طعامه بل لا تضحكني إلا طريفة من طرائف أهله، واشعر
بالفخر لكرم أهله الخالص.
لا ينام الحقد في قلبي على عراقي وان نام في قلب خصومي إلى يوم
يبعثون... وآه من الحقد الذي ينام ويصحو في عيون لا تدمع وقلوب لا تخشع..
لا اكره أعدائي إلى درجة العمى وان أذوني بحثا عن مصالح زائلة
بائسة، وصلحي أطول من خصومتي، إلا إني اكره أعداء العراق كرهاً مطلقاً وخصومتي
معهم لا تنتهي حتى ينتهون...
التقييم عندي للأشخاص يقوم على الموازنة بين الايجابيات والسلبيات
أيهما أرجح، فلم يولد بعد المرء الخالي من الأخطاء ولن يولد، ذلك ان النظر لأحدهما
دون الأخر كنظر رجل اعور.
تنبؤات العارفين بجفاف دجلة الخير والفرات العذب لم ولا تخيفني ، لان
للعراق وفراتيه الابدين رباً يحميهم كما حماهم سبحانه وتعالى منذ الآف السنين يوم
كان العراق دولة قبل نشوء الدول.
الحمد لله الذي بفضله لم أجد نفسي مضطراً للهجرة والغربة خلال كل
سنوات الموت الأصفر أملا في غد عراقي مشرق ؟ لأني اكره الغربة، وعطف الغرباء
يقتلني وخبزهم المر سم زعاف في جوفي.
نعم كان قد اجمع كل أصدقائي والمحبين على ضرورة ان احمل أمتعتي وأسافر
للمجهول الذي طالما كرهته..
نعم تقاعدت عن الوظيفة لأسباب عديدة، ولكني لم أتقاعد عن حب العراق وأهله
وسهوله وجباله ووديانه... لم أتقاعد عن حب
الحق وعشق العدالة وكره كل ما هو ظالم وغير معقول... لم أتقاعد عن التفاؤل والأمل في عراق تسوده المحبة والآلفة بين أهله...
لم أتقاعد عن الاعتقاد الجازم المؤكد إن
العراق سينهض من كبوته وسيدحر أعدائه.
نعم لن ارحل بإذن الله مادامت
أؤمن إن دجلة والفرات لن يتوقفا
ولطالما التمر العراقي تجود به نخيل العراق الباسقات ولأن لبن اربيل الصافي لازال يحمل ذات الطعم المميز. فهل يشد الرحال من لديه كل
هذه الأشياء الجميلة التي يخلو منها العالم اجمع؟
قلت: نعم سأبقى في عراقي فليس من السهل اقتلاع جذوري حاملاً إياها إلى
بلاد لا تعرفني ولا اعرفها.
قالوا ـ عجبا لا تبقى.
وقتها خَطر في ذهني قول الشاعر:
( لعمركِ ما ضاقَتْ بلادٌ بأهِلها ولكن أحلام الرجالِ
تَضِيْقُ)(1)
أنا حقاً مندهش بتحقق آمالي ولن أجد نفسي مضطراً إلى هجرة نهراي ،
ربما انهمرت دموعي على أعزاء فقدتهم، وقال جميع الأصدقاء والأحبة ما قالوا بسبب
مستجدات الحياة اليومية ...
ولكن المشكلة كما سبق القول إني أحب ان أحيا وأموت في العراق
ولا احتمل حياة او ميتة الغربة... فأنا أيها الأخوة.... سمكة والعراق شطي.
25/6/2009
***********
1ـ للشاعر المخضرم عمرو بن الأهتم التميمي، من قصيدة مطلعها:
ذريني فإِن البخلَ يا أم هيثمٍ ـ لصالحِ أَخلاقِ
الرجالِ سروقُ
فارس حامد عبد الكريم العجرش
ماجستير في القانون
نائب رئيس هيئة النزاهة
سابقاً
باحث في فلسفة القانون
والثقافة القانونية العامة
بغداد ـ العراق
البريد الالكتروني:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق