الإدارات العامة والتفسير الرجعي للقانون
فارس حامد عبد الكريم
مقدمة:
يعتبر تقديم المشورة القانونية أو العلمية لمن يطلبها أمانة ثقيلة،
والكذب والتزوير فيها خيانة للأمانة، لما يترتب على هذه الخيانة من سقوط لضحايا وضياع
لحقوق للناس، فكانت عقوبتها الأخروية شديدة اشارت اليها النصوص القرآنية والأحاديث
النبوية الشريفة .
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ
فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (1).وقال تعالى (إِنَّ اللَّهَ
يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ
بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) .(2)
قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ( المستشار مؤتمن، فإن شاء أشار، وإن شاء سكت، فإن شاء فليشر بما لو نزل به
فعله( وقال عليه أفضل السلام وأحسنه
(من استشاره أخوه فأشار عليه بغير رشد فقد خانه ).
وقد جرى العمل في اغلب دوائر الدولة على الإفتاء بعدم الجواز في حالة
عدم وجود نص قانوني يحكم حالة معينة، والحال ان تلك الفتاوى والتفاسير لا سند لها
من القانون ، بل إنها ،في حقيقتها ومعناها، إنكاراً للحق وللعدالة.
فضلا عن ان الكثير من الهيئات
الإدارية تتعامل مع النصوص القانونية وكأنها نصوص جامدة ميتة فتفرغها في كثير من الأحيان،
عند التطبيق، من محتواها الإنساني وغايتها المنشودة، وإذا كانت هي غير قادرة على
الفهم الصحيح لحكمة ودور القانون في الحياة الاجتماعية، فانها رغم ذلك تعارض بل
وتقف بحزم بوجه كل من يحاول ان يبث في تلك النصوص الحياة والمرونة وروح العدالة
،على خلاف إرادة المشرع العراقي .
وإذا كان هذا هو حال من يتلمس
العدالة في النصوص القانونية النافذة ، فما هو حال من يحاول ان يتلمسها عن مصادر
القانون الأخرى كالعرف او قواعد العدالة
كما هو مقرر في الأنظمة القانونية جميعاً ومنها الشريعة الإسلامية وكذلك القانون العراقي الذي نص على مصادر القانون
ومنها العرف وقواعد العدالة وهي نصوص شبه معطلة ، عجزت الإدارات التقليدية عن
استيعاب حكمتها ومضمونها العميق.وعلى تفصيل من الامر.
موقف المشرع العراقي من التفسير
تأثر المشرع العراقي بالاتجاهات الحديثة في تفسير القانون ومنها أراء
المدرسة التاريخية التي انشأها الالمانيان سافيني وفيخته،التي ترى ان التشريع يستقل عن المشرع ويعيش حياته المستقلة في
الجماعة ذاتها ويخضع في تفسيره لكل التطورات التي تحدث داخل الجماعة، وكما يوضح الأستاذ
السنهوري رحمه الله، ان القانون هو نبت البيئة وغرس الأجيال المتعاقبة يتطور من
مرحلة الى اخرى ويتخطى اعناق القرون يسلمه الاباء للابناء والابناء للأحفاد وهو في
كل مرحلة يصطبغ بصبغتها وينضح بلونها. (3)
وعلى هذا النحو نصت المادة
(5) من القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951 على انه ( لا ينكر تغير الاحكام
بتغير الأزمان )
كما اخذ المشرع العراقي بالتفسير الموسع المتطور للقانون في المواد(1،2،3)
من قانون الإثبات رقم (107) لسنة 1979 .
حيث نصت المادة (3) منه على
انه ( الزام القاضي باتباع التفسير المتطور للقانون ومراعاة الحكمة من التشريع عند
تطبيقه )، ولاشك في ان ما قرره المشرع في هذا المقام هو قاعدة عامة تسري على كل
فروع القانون العام والخاص ، ما لم يتعارض ذلك مع طبيعة القانون ، كما سنوضح ذلك
لاحقاً عند التمييز بين القواعد الجزائية الايجابية والسلبية. الا ان تطبيق هاتين
المادتين محدود للغاية على خلاف ارادة المشرع العراقي ولا يزال التمسك بحرفية
النصوص هو السائد. رغم ان القضاء الفرنسي والقضاء المصري قد اخذا منذ امد بعيد
بالتفسير المتطور للقانون دون ان يسعفهم في ذلك المشرع بنص صريح كما هو حال المشرع
العراقي الذي نص على الزامية التفسير المتطور للقانون.ومن اشهر القائلين بالتفسير المتطور للقانون الفقيه الفرنسي سالي الذي لخص مذهبه في عبارة شهيرة ( الى ما وراء القانون المدني ولكن عن طريق القانون المدني ) أي ان التفسير يبدأ من النصوص ولكن دون ان تكون قيوداً أبدية على ارادة المفسر بل عليه ان يتخطاها إذا اقتضت ذلك حاجات المجتمع وسنة التطور. (4)
مطلب تمهيدي: تطبيقات خاطئة في تفسير القانون
يعتقد الكثيرون ان التفسير والاجتهاد في تحصيل الاحكام هو من عمل القضاء حصراً ، وهذه فكرة خاطئة بالمرة ، فالتفسير والاجتهاد الاداري الذي تقوم به الهيئات الادارية الاستشارية التي تعرف عادة في اغلب الدول باسم مجلس شورى الدولة، وكذلك تفسيرات واجتهادات رجال الادارة وهم يواجهون يوميا الآلاف من الحالات والوقائع التي تستدعي تطبيق القانون وتفسيره وهم يمارسون صلاحياتهم القانونية بالنظر في حاجات وطلبات المواطنين والموظفين ، فضلا عن تفسيرات لجان التحقيق الاداري عندما يوكل اليها مهمة التحقيق في المخالفات الادارية وبيان مدى توفر العنصر الجزائي فيها من عدمه ، انما تشكل العدد الضخم والأوسع بين كل انواع التفسيرات، واذا كان التفسير الادراي يعد بمثابة رأي شخصي غير ملزم للقضاء ويقتصر الزامه على من وجه اليهم سواء كانوا من رجال الادارة او من المواطنين المتعاملين مع الادارة ، فان أهميته تبدو في انه يمثل حاجة يومية ملحة أكثر من الحاجة الى التفسير والاجتهاد القضائي ، لان القضاء لا ينظر في تفسير وتطبيق القانون الا بناءا على دعوى ، والدعوى ليست امرا لازما وحتميا في كل الأحوال ،وهو يأتي بعد تحقق الخطأ او اللامشروعية ، في حين ان معرفة القانون وتطبيقه تستدعي معرفة القانون وتفسيره قبل الوقوع في الخطأ او اللامشروعية ، أي قبل رفع الدعوى. ولو كان المفروض ان يكون التفسير القضائي امرا لازما وحتميا في كل الأحوال لتوقف الناس عن أي نشاط قانوني وعدم مباشرة أي عمل الا بعد رفع الدعوى لمعرفة الإحكام الواجبة قبل الشروع بالعمل والتصرف القانوني، في حين ان النشاطات القانونية الإدارية والفردية داخل الدولة تعد بالملايين في اليوم الواحد ولا يتمكن أي قضاء من النظر فيها فيما لو عرضت عليه.وهذا هو معنى القول الشائع ( ان القضاء ليس داراً للإفتاء) ، فضلاُ عن ان التفسير القضائي لا يستقر على حال واحدة مراعاة لسنة التطور حيث ( لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان ).
كما يعتبر التفسير الفقهي في المجتمعات المتحضرة ذو أهمية خاصة حيث يلجأ اليه المحامين والقضاة والأفراد لبيان حكم تصرفاتهم واعمالهم القانونية قبل الشروع فيها او قبل بيان الرأي بشأنها.
وقد لاحظنا ان العديد من الدوائر القانونية في دوائر الدولة ، انها تذهب في حالة عدم وجود نص يحكم حالة او واقعة معينة الى الإفتاء بـ ( عدم الجواز لعدم وجود نص ) .
والحال ان عدم وجود نص يحكم حالة او واقعة معينة، يعني عدم وجود حكم تشريعي يحكم تلك الحالة او الواقعة ، لا بالسلب ولا بالإيجاب، ولا يعني عدم الجواز، وهذا هو المقصود بالنقص التشريعي.
والإفتاء (بعدم الجواز) هو حكم بحد ذاته، فما هو سند هذا الحكم السلبي رغم عدم وجود نص ؟ الواقع ان لا يوجد سند تشريعي في التجويز او عدمه . كما ان ترك الحالة او الواقعة دون حكم يعتبر إنكارا للعدالة .
وهكذا قيل انه لا يجوز للقاضي ان يرد الدعوى بحجة عدم وجود نص لانه في هذه الحالة يعتبر منكرا للعدالة .حيث نصت المادة (30) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل على انه ( لا يجوز لأية محكمة ان تمتنع عن الحكم بحجة غموض القانون او فقدان النص او نقصه والا عد القاضي ممتنعاً عن احقاق الحق ، ويعد ايضاً التأخر غير المشروع عن اصدار الحكم امتناعاً عن احقاق الحق ).
ويسري نفس الحكم حسب رأينا على كل من يمتنع عن اعطاء راي قانوني يجب عليه اعطاؤه بموجب مهامه الرسمية ، لان فكرة العدالة واحدة لا تتجزأ. فضلا عن ان امانة الوظيفة العامة تقتضي من الموظف العام ان يؤدي واجبه الرسمي كاملا وبأمانة ومن دون تأخير ، ولان مهمة تفسير القوانين تتوزع بين السلطات الثلاث في الدولة ، كما سنوضح لاحقاً.
والامتناع عن إعطاء تفسير للقانون هو امتناع عن اداء الواجب في حقيقته ومعناه ، واذا استعصى على موظف تفسير نص قانوني فعليه ان يلجأ للدائرة القانونية في دائرته ، وللأخيرة ان تلجأ الى مجلس شورى الدولة عندما يحصل لديها تردد او خلاف في تفسير القانون. حيث نصت الفقرة رابعاً من المادة (6) من قانون مجلس شورى الدولة رقم (65) لسنة 1979 ، بشأن احد اختصاصات المجلس ( ابداء الرأي في المسائل القانونية اذا حصل تردد لدى احدى الوزارات او الجهات غير المرتبطة بوزارة على ان تشفع برأي الدائرة القانونية فيها مع تحديد النقاط المطلوب ابداء الرأي بشأنها والأسباب التي دعت الى عرضها على المجلس ويكون رأيه ملزما للوزارة او للجهة طالبة الرأي).
ان ظاهرة الافتاء بعدم الجواز على الأغلب والتفسير الضيق جداً للقوانين، ظاهرة انتشرت في ظل النظام السابق ، نتيجة خشية رجل الادارة من المسؤولية والعقاب، مما جعله يتردد في اعطاء تفسيرات ايجابية لصالح المواطنين ، وكان واقع حال الموظف يقول ، انك اذا اعطيت شيئأ لمواطن ثم تبين انه لا يستحقه فانك ستعاقب ، اما اذا منعته ولم تعطه شيئاً فان اقسى احتمال هو ان يأتيك امر من جهة ادارية اعلى باعطائه اياه دون ان يتضمن ذلك عقوبة.
ولاشك ان النزوع نحو هكذا مواقف سلبية سيفرغ القوانين من محتواها الإنساني ويربك اعمال الادارة ويعطل حقوق الناس المشروعة ، ويزرع الحقد والبغضاء في نفوس الناس مما ينعكس بآثاره السلبية على اداء النظام السياسي العام برمته والتوق الى التخلص منه .
واذا سبق لنا القول ان امتناع الموظف عن اعطاء راي قانوني ضمن مهامه يعتبر اخلالا بواجبات الوظيفة، الا ان اعطاء راي يتبين خطأه فيما بعد لا يعتبر جريمة جزائية اذا كان بحسن نية حسب أحكام المادة (40) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 ، فحرية الرأي والتعبير مكفولة بموجب الدستور ، ولا يمكن معاقبة احد على رأيه في ظل نظام ديمقراطي. كل ذلك بشرط الاحتياط واتباع الاجراءات القانونية والإدارية السليمة.وكم من التعليمات صدرت في تاريخ الوزارات العراقية وثبت فيما بعد مجافاتها للصواب وحسن التفسير.
ونتناول دراسة أحكام النقص والقصور التشريعي في مطلبين.
المطلب الأول ـ ماهية وأحكام النقص التشريعي
الفرع الاول : ماهية النقص التشريعي يقصد بالنقص في التشريع ، تلك الظاهرة التي تتحقق عندما لا يجد القاضي او رجل الادارة في نصوص القانون المكتوب قاعدة يمكن تطبيقها بصدد نزاع او واقعة أثيرت أمامه.
وهذه الظاهرة تسمى نقصاً في التشريع لا نقصاً في القانون، فالقانون بمصادره المتعددة لا يتصور النقص فيه لدى معظم شراح القانون والنقص في التشريع ظاهرة قانونية تاريخية لازمت ظهور التشريع ، يقول الشهرستاني في الملل والنحل ( اذا كانت النصوص متناهية والوقائع غير متناهية ، فان مالا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى )، كما ان ارسطو ، واضع علم المنطق ، كان قد اقر بنقص القانون الموضوع من البشر ، ودعا الى ملائمة العدالة بالنسبة للحالات الخاصة ، كما تنبهت التشريعات القديمة الى مشكلة النقص في التشريع ، فقد عرض لها مانو حكيم الهند قبل حوالي الفي سنة ، فالزم القاضي ان يحكم وفقاً للعرف المحلي والشريعة المقدسة ، ثم احاله عند انعدام النص الى القانون السرمدي .
ويرجع فقه القانون اسباب النقص في التشريع الى اسباب فنية عمدية تتصل بقدرة الارادة الشارعة على التنظيم الفني حينما يتسع نطاق الروابط الاجتماعية وتدق تفاصيلها على نحو يحمل الشارع على ان يتحاشى المساس بالتفاصيل الدقيقة والجزئية فيقف فيها عند امهات المسائل ويترك ما عداها من الجزئيات الدقيقة اما للافراد يتعارفون على نظام يطبق بشأنها واما لاجتهاد القضاء اذا لم يكن العرف قد تم تكوينه .
واسباب عملية تتصل بما يتوافر لهذه الارادة من القدرة على البصر بحقائق الحاضر واحتمالات المستقبل ، فالمشرع لا يسقط من اعتباره حساب احتمالات المستقبل ، ومهما كانت هذه بعيدة النظر فانها لن تكون الا حسابات مؤقته لا تستطيع ان تستوعب كل المستقبل ومفاجأته. (5)
الفرع الثاني ـ احكام عامة في النقص التشريعي:
ان التشريعات عادة ما توجه القاضي لا تباع وسائل تكميلية في حالة النقص التشريعي، وهذه الوسائل قد تكون داخلية مستمدة من النظام القانون السائد وتتمثل بمصادر القانون الاصلية والاحتياطية المستمدة من النظام القانوني السائد في الدولة كالعرف ومباديء الشريعة الاسلامية ، وقد تكون وسائل خارجية وتتمثل بمصادر القانون الرسمية او الاحتياطية المستمدة من خارج النظام القانوني وهي عادة قواعد العدالة او القانون الطبيعي.
وفي نطاق وسائل التكميل الخارجية يجوز للقاضي ان يبحث عن الحل خارج النظام القانوني الذي وجد فيه النقص ، ومؤدى هذه الوسيلة هو الرجوع الى قواعد العدالة كما هو مقرر عند المشرع العراقي او الى القانون الطبيعي كما هو مقرر في تشريعات اخرى كالقانون المدني المصري.
أي انه يجوز للقاضي ورجل الادارة ان يستمد الحكم من قواعد لم يسبق اعدادها ، وهو اذ يلجأ الى قواعد العدالة او القانون الطبيعي ، لا يلجأ الى قواعد جامدة محددة سلفاً بل انه يلجأ الى قواعد مرنة متغيرة ابداً.
وفي مثل هذه الاحوال فان القاضي او رجل الادارة يرمي الى الكشف عن المراكز القانونية الموضوعية لا كما ينظمها القانون لان الفرض في هذه الحالة انه لا يوجد تنظيم قانوني ، فهو حيث لا توجد قاعدة قانونية مجردة انما يستلهم حاجات العدل مباشرة بالنسبة للحالة او الواقعة الفردية المعروضة عليه فيجتهد وينشئ القاعدة الملائمة اخذا بالاعتبار الظروف والملابسات التي تحيط بالحالة او الواقعة المطروحة عليه.
وهذا يعني ان ان القاضي او رجل الادارة يمارس سلطة تقديرية لتحديد مضمون نشاطه على النحو الذي يراه اكثر ملائمة للغاية النهائية لهذا النشاط ، فان فرغ من تحديد مضمون الواقعة او الحالة المطلوب الفصل فيها وظروفها وملابساتها،يتعين عليه بعد ذلك ان يجد حكماً ملائماً لتلك الواقعة بالكشف عن المراكز القانونية التي تتضمنها مستلهماً في ذلك شعور العدل في ضمير الجماعة بالنسبة للحالة او الواقعة المعروضة عليه.
وغالباً ما يكون الاجتهاد في التفسير الإداري من اعمال المجالس الإدارية الاستشارية كمجلس شورى الدولة حيث تعتبر تفسيراته تفسيرات ادارية غير ملزمة للقضاء .
الفرع الثالث: احكام معالجة النقص التشريعي
عندما لا يجد القاضي او رجل الادارة نص تشريعي يحكم واقعة معينة فان ، فان الحل يكون بالرجوع الى مصادر القانون الاخرى، كما يأتي:
اولا : مصادر القانون المدني وكل قانون يستمد احكامه العامة منه في
حالة النقص التشريعي:
نصت الفقرتين (2) و (3) من
المادة (1) من القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 على مصادر القانون المدني بقولها (
2ـ فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكمت المحكمة بمقتضى العرف فإذا لم يوجد
فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون دون التقيد
بمذهب معين فإذا لم يوجد بمقتضى قواعد العدالة .
3ـ وتسترشد المحاكم في كل ذلك بالاحكام التي اقرها القضـاء والفقـه في
العراق ثم في البلاد الاخرى التي تتقارب قوانينها مع القوانين العراقية )
لماذا ذهب المشرع الى الاسترشاد باحكام القضاء والفقه في العراق
والبلاد العربية التي تتقارب قوانينها مع القوانين العراقية في حالة غياب النص ؟
ان احكام النصوص القانونية انما يستقيها المشرع من معطيات عقلية
وطبيعية وتاريخية ومثالية ، وهي بذلك يمكن ان يتوصل اليها العقل الرشيد
والمنطق السليم ويستوحيها الضمير الحي من
تلقاء نفسه وان يتوصل الى ذات النتائج التي كان يمكن ان يتوصل اليها المشرع لو انه
لم يغفل النص على الحالة او الواقعة محل النقص التشريعي . وهكذا توصلت المجتمعات
القديمة الى نتائج متشابهه في فيما يتعلق باعتبار الافعال التي تعد غير مشروعة او
انها تعد جرائم رغم انقطاع الصلة بينها ، مع اختلافات بسيطة مرجعها المعطيات
التاريخية ، وبذلك يكون واضحاً سبب اشتراط المشرع العراقي ان يكون استرشاد القاضي
( باحكام القضاء والفقه في العراق والبلاد العربية التي تتقارب قوانينها مع
القوانين العراقية) فما كان ذلك الا لإيمانه بتشابه او تقارب المعطيات التاريخية
التي تحكم قوانين العراق والبلاد العربية، وان الحكم العادل يمكن الوصول اليه
بناءا على العقل والمنطق السليم في حال غياب النص .(6) ونكتفي بما تقدم من اشارة
لمصادر القانون المدني التي تعد من وسائل التكميل الداخلية لان البحث فيها يتطلب
بحث خاص بالنظر لسعة البحث وضخامته في هذا المجال .الا اننا نتناول بحث قواعد
العدالة لصلتها بكل من القانون المدني والقانون الاداري ، مع تطبيقات تشريعية
لاحكام النقص التشريعي .
أـ المقصود بقواعد العدالة :
قواعد العدالة من وسائل
التكميل المستمدة من خارج النظام القانوني للدولة. والعدالة وفقا للمعنى العام
لها، تعني الشعور بالانصاف وهو شعور كامن في النفس يوحي به الضمير النقي ويكشف عنه
العقل السليم وتستلهم منها مجموعة من القواعد تعرف باسم قواعد العدالة مرجعها مثل
عليا تهدف الى خير الانسانية بما توحي به من حلول منصفة ومساواة واقعية تقوم على
مراعاة دقائق ظروف الناس وحاجاتهم.
ويكاد يجمع فقهاء القانون على ان المقصود بقواعد العدالة هو تخويل
المشرع للقاضي ان يجتهد رايه ، في احوال النقص التشريعي حيث يقوم بالحكم وفقا لنص
اوجده هو مستلهماً في ذلك ضميره وافكار العدالة السائدة في مجتمعه دون ان يعول على
مجرد اراؤه الشخصية ، الا ان حكمه وفقا لقواعد العدالة يعتبر من مسائل القانون التي تخضع لرقابة محكمة
التمييز وفي ذلك ضمانة كافية لا ن يستنبط القاضي حكمه وفق اسس موضوعية لا ذاتية.
وبعبارة اخرى ان الحكم وفقا لقواعد العدالة هو اجتهاد القاضي للحكم في غياب النص.
وكذلك هو الحال بالنسبة لرجل الادارة والهيئات الادارية الاستشارية للدولة كمجلس
شورى الدولة.
وقد انتشرت طريقة الاحالة الى قواعد العدالة ومبادئ القانون الطبيعي
باعتبارها معايير وموجهات عامة لسد النقص في التشريع حين ضعف مركز انصار الوضعية
القانونية فأتاح ذلك لانصار القانون الحر الذين يمثلون مذهب القانون الطبيعي في
صورته الجديدة ان ينادوا بهذه الطريقة. وبيان ذلك انه لما كان القانون الوضعي يصور
بانه القانون الواقعي الذي يمثل القانون النموذجي تمثيلا ناقصاً، لا جرم انه حين
لا يغني القانون الناقص ، ان يعود القانون الكامل للظهور.(7)
ب ًـ تطبيقات تشريعية
اعتبرت بعض التشريعات القاضي بمثابة مشرع في حالة النقص التشريعي
بنصوص صريحة فقد نصت المادة 2/1 مدني سويسري على انه ( ... وفي حالة عدم وجود نص
يمكن تطبيقه يحكم القاضي وفقاً للعرف ، وفي حالة عدم وجود عرف فانه يحكم وفقاً
للقواعد التي كان ليضعها لو كان عليه ان يقوم بعمل من اعمال المشرع ، وهو يستهدي
في ذلك بالحلول التي يقررها الفقه والقضاء.)
ونصت المادة (1) مدني تركي لسنة 1926 على انه ( ... اذا لم يوجد حكم
في قضية ما يحكم القاضي بموجب العرف والعادة ، فاذا لم يوجد فيحكم بموجب القاعدة
التي كان يضعها فيما لو كان مشرعاً )
بينما احالت تشريعات اخرى الى القانون الطبيعي او قواعد العدالة او المبادئ
العامة للقانون فقد نصت الفقرة (2) من المادة (1) من القانون المدني المصري لسنة
1948 النافذ على انه ( فإذا لم يجد نص تشريعي يمكن تطبيقه ، حكم القاضي بمقتضى
العرف ، فإذا لم يجد فبمقتضى مباديء الشريعة الإسلامية، فإذا لم توجد فبمقتضى مباديء القانون الطبيعي وقواعد العدالة )
ونصت المادة (12/2) مدني ايطالي لسنة 1942 على انه ( اذا لم يوجد نص
تشريعي يرجع القاضي الى النصوص التي تنظم الحالات المتشابهة ... فاذا بقيت المسألة
مع ذلك غامضة فانه يحكم وفقاً للمباديء العامة في النظام القانوني في الدولة
).(8) ويذهب احد رؤساء المحكمة الاتحادية
الالمانية الى القول ( يستطيع القاضي بالدرجة الاولى انشاء القانون من خلال
تفسيرالقانون الوضعي او سد الفراغ بواسطة قياس النظير او المصالح المرسلة في
ملائمة القانون الوضعي للتقدم المضطرد ، كما يستطيع القاضي بالدرجة الثانية انشاء
القانون من خلال تقييم القانون الوضعي بالقياس الى معايير النظام القانوني الفوقي
او في ابطال حكم قانوني يتنتهك فيه مثل هذه المعايير) . (9)
ثانياً ـ مصدر القوانين الجزائية ومنها قانون العقوبات:
تطبيقاً لمبدأ الشرعية ، لا جريمة ولا عقوبة الا بنص ، فان التشريع هو
المصدر الوحيد لقانون العقوبات ، الا انه بصدد تطبيق مبدأ الشرعية ، يميز فقه
القانون الجزائي بين نوعين من القواعد الجزائية :
أـ القواعد الجزائية الايجابية : وهي
القواعد التي تبين الجرائم والعقوبات المقررة لها ، مثل القاعدة التي تعاقب على
القتل والسرقة والرشوة وغيرها .
وهذه مصدرها التشريع لوحده تطبيقاً لمبدأ الشرعية ( لا جريمة ولا
عقوبة الا بنص ) ، فان لم يوجد نص يحكم واقعة معينة ، ومهما كانت الواقعة مضرة او
مسيئة للنظام العام والاداب العامة في المجتمع ، فان على القاضي ان يحكم بالبراءة
وليس له في اية حال ان يخترع جريمة او ان يقرر عقوبة لها ، لان المشرع لوحده هو
القادر على ذلك في مثل هذه الاحوال . فضلا عن ان هذه القواعد يجب ان تفسر تفسيراً
ضيقاً ، لان القواعد الجزائية انما تأتي خلاف الاصل ، والاصل هو حرية الانسان
والاستثناء هو تقييد حريته ، وكل تفسير يؤدي الى اضافة جريمة او عقوبة لم يقررها
المشرع يعتبر مخالفة للدستور والقانون ، لان مبدأ الشرعية ، مبدأ نص عليه الدستور
والقانون
ب ـ القواعد الجزائية السلبية : وهي
القواعد الجزائية التي تقرر قواعد البراءة واسباب الاباحة وموانع المسؤلية وكذلك
احكام العفو العام والعفو الخاص مالم ينص على خلافه ، وكل قاعدة تؤدي الى افلات
المتهم من العقاب أي تعالج اوضاعاً لصالح المتهم كتلك التي تستبعد العقاب او تخفف
منه.
وهذه القواعد لا تعتبر استثناء من الاصل ، بل انها صورة من صور الاصل
،لانها تنحو نحو الحرية والبراءة ، ومن ثم لا يسري عليها مبدأ الشرعية ( لا جريمة
ولا عقوبة الا بنص ) لانها لاتوجد اسباباً للجريمة وانما اسباباً للبراءة والحرية،
هذا من جانب ومن جانب اخر فانها تخضع للتفسير الواسع لارتفاع قيد الاستثناء الذي
يرد على القواعد الجزائية الايجابية ، فهي قواعد تنحو نحو الحرية ، والحرية لا تعد
استثناء بل اصل، واذا زال المانع عاد الممنوع ، أي اذا سقط القيد عاد حكم ما كان
ممنوعا.
وعلى هذا جاز التوسع في تفسيرها والقياس عليها على اتفاق من الفقه
والقضاء
ومن تطبيقات ذلك ان القضاء
والفقه في مصر استقر على اعتبار الدفاع الشرعي سبباً عاما لاباحة كافة الجرائم وان
كان نص المادة (245 ) عقوبات مصري قد نص على اباحة القتل والضرب والجرح في حالة
الدفاع الشرعي ، فاذا نص القانون على
اباحة القتل في حالة الدفاع الشرعي ، واكتفى المدافع بفعل دون القتل ، كالضرب او
الجرح ، فلا شك في اباحة الضرب والجرح قياساً على اباحة القتل من باب اولى، لان من
يباح له الاشد يباح له الاخف ،ومن يملك الاكثر يملك الاقل . وعلى هذا لا يعتبر
سارقاً من جرد من شرع بقتله من سلاحه واحتفاظه به مؤقتا، ولا يعتبر تقييداً للحرية
من حجز في غرفة من حاول قتله او قيده، او من حاول اضرام النار في في مكان عام او
خاص، بشرط توفر جميع اركان وشروط الدفاع الشرعي وابلاغ السلطات فوراً او في اقرب
فرصة متاحة.
وفي باب موانع العقاب كانت المادة (312) عقوبات مصري تنص قبل تعديلها
على مانع عقاب فيما يتعلق بالسرقة بين الاقرباء والزوجين ، ولكن القضاء المصري مد
تطبيق مانع العقاب على سبيل القياس الى جرائم النصب وخيانة الامانة والغصب
والتهديد بين الاقرباء والزوجين.
وهذا ما سار القضاء الفرنسي عليه ايضاً. وقد وضع الفقه الالماني
والايطالي لنفسه قاعدة في هذا الصدد تقضي بالتفرقة بين نوعين من القياس هما قياس
لصالح المتهم وقياس لغير صالحه، فالاول جائز والثاني غير جائز مع وجود مبدأ
قانونية الجرائم والعقاب.(10)
ثالثا ـ مصادر القانون
الاداري وانظمة وتعليمات الخدمة المدنية :
بالنظر الى ان القانون الاداري قانون حديث النشأة وان اغلب قواعد هذا
القانون غير مكتوبة (11) ، فقد استقر القضاء الفرنسي والمصري على ان تسلسل مصادر
هذا القانون تكون كالاتي :
التشريع والمعاهدات الدولية ، العرف الاداري، الاحكام القضائية ،
مبادئ القانون العامة ، قواعد العدالة.
أـ النصوص التشريعية :
نصوص القانون الإداري غير مقننة في قانون واحد، حيث تتوزع بين عدة
قوانين كالدستور والتشريعات المختلفة والانظمة والتعليمات التي تصدر من السلطة الإدارية.
ـ الدستور: يتضمن الدستور قواعد عامة للتنظيم الاداري، مثل طبيعة نظام
الحكم، وفيما اذا كان نظاماً رئاسيا او برلمانيا
، وتوزيع الاختصاص بين السلطات المختلفة، السلطة التشريعية والسلطة
التنفيذية والسلطة القضائية ، وطبيعة النظام الاداري ، وفيما اذا كانت ادارة
مركزية ادارية ام لا مركزية ادارية ام نظام اتحادي( فيدرالي). وطريقة انتخاب او
تعيين المناصب العليا في الدولة ، وطريقة استثمار الموارد الطبيعية ، وقواعد
ميزانية الدولة وضوابط استخدام المال العام وحرمته ، والقواعد العامة في نزع
الملكية ، والقواعد العامة في التجريم والعقاب ، ووالحقوق والحريات الاساسية
للمواطنين .......... وتعتبر هذه النصوص مصدراً من مصادر القانون الاداري تلتزم
الادارات العامة بها وهي تمارس نشاطاتها المختلفة.
ـ التشريع: تشكل التشريعات الصادرة من السلطة التشريعية مصدرا غزيراً
من مصادر القانون الاداري ، حيث تتناول العديد من التشريعات تنظيم نشاطات الادارة
العامة وقواعد خدمة العاملين فيها ، وقواعد علاقة الادارة بالمواطنين ، ومن
امثلتها، قانون السلطة التنفيذية، وقانون الخدمة المدنية وقانون الملاك وقانون
انضباط موظفي الدولة وقانون التقاعد وقوانين تنظيم الوزارات، وقوانين النقابات
المهنية وقانون السلامة الوطنية وقوانين الجنسية والاقامة وجوازات السفر وقانون
المرور وقانون الأحزاب وقانون الجمعيات والقوانين التي تتعلق بتظيم الحريات
والمظاهرات والاعلام والصحافة الى غير من قوانين ادارية ، فضلا عن النصوص المتفرقة
في القوانين الاخرى التي لا تعتبر قوانين ادارية بحسب الاصل ، كالنصوص الواردة في
القانون المدني المتعلقة بالأشخاص المعنوية العامة والاموال العامة وعقد التزام
المرافق العامة والمسؤولية الادارية التي اخضعها لنفس قواعد المسؤولية المدنية
للافراد.
ـ القرارات التنظيمية (التشريع الفرعي) : في ظل دستور العراق لسنة
2005 ، فان سلطة وضع التشريع الفرعي ( الانظمة ، التعليمات ، النظام الداخلي ) تقع
على عاتق السلطة التنفيذية ، بما لها من اختصاص اصيل مخول لها بموجب الدستور
ابتغاء تنفيذ التشريع العادي او تنظيم المرافق العامة ومن قبيل التشريع الفرعي
مايعرف في مصر باللائحة سواء كانت تنفيذية او تنظيمية او لائحة ضبط ، والتشريع
الفرعي هو ادنى انواع التشريع مرتبة .ويشترط في التشريع الفرعي ان يكون متوافقا مع
الدستور والقانون من حيث الشكل والموضوع ، حيث نصت الفقرة (ثالثا) من المادة (80)من
الدستور على انه (يمارس مجلس الوزراء
الصلاحيات الاتية. ثالثا: اصدار الانظمة والتعليمات والقرارات بهدف تنفيذ القوانين
.)
وتتخذ القرارات التنظيمية صوراً عديدة وتتناول تنظيم المرافق العامة
وتنظيم علاقة الهيئات الادارية بالافراد وتنظيم ممارسة الافراد لحرياتهم العامة
وغير ذلك من مسائل ، فضلا عن القوانين كثيرا ما تنص على تخويل الوزراء المعنيين
بتطبيقها اصدار التعليمات اللازمة لتسهيل تنفيذها ، وهذه التعليمات هي الاخرى انما
هي قرارات ادارية تنظيمية ومن ثم تشكل كالقرارات السابقة مصدرا للقانون الاداري.
تدرج القواعد القانونيـة : لكى تكون
الدولة قانونية بالفعل لابد أن تأخذ بمبدأ تدرجد القواعد القانونية ، ذلك ان
النظام القانونى فى اية دولة يتكون من مجموعة كبيرة من القواعد القانونية،
وعند تطبيقها على الحالات الفردية فأنها
قد تتزاحم وتتعارض، لذلك كان لابد من حل ينظم تطبيق هذه القواعد ويضمن وحدتها ويتجسد ذلك بمبدأ تدرج القواعد
القانونية التى يتكون من مجموعها النظام القانونى فى الدولة ، ومقتضى هذا المبدأ
ان القواعد القانونية فى الدولة ترتبط فيما بينها ارتباطا تسلسليا متدرجا . بمعنى
اخر انها ليست فى مرتبة واحدة من حيث
القيمة والقوة بل تتدرج فيما بينها مما يجعل بعضها اسمى مرتبة من البعض الاخر ،
فتجد فى القمة القواعد الدستورية وتليها القواعد التشريعية الصادرة من السلطة
التشريعية وهذه اسمى من حيث القيمة والقوة من الانظمة والتعليمات التى تصدرها
السلطات الادارية وهذه بدورها اسمى من القرارات الفردية الصادرة من السلطات
الادارية نفسها .
فاذا ما حصل تعارض بينها يعتمد النص الاعلى مرتبة ، فاذا حصل تعارض
بين نص دستوري ونص قانوني وجب اعمال النص الدستوري ، واذا كان التعارض بين نص
قانوني ونص يرد في نظام او تعليمات يقدم النص القانوني واذا كان التعارض بين
الانظمة والتعليمات نفسها وجب ايضاً تغليب النص الاداري العام الاعلى مرتبة على ما
هو ادنى منه . وعلى هذا يقدم النظام الصادر من مجلس الوزراء على النظام الصادر من
الوزير، ، وتغلب القرارات التنظيمية على القرارات الفردية ، ولو كانت القرارات
الفردية صادرة من جهة اعلى اداريا من الجهة التي اصدرت القرار التنظيمي.
ويترتب على مبدأ تدرج القواعد
القانونية : وجوب خضوع القاعدة الادنى للقاعدة الاسمى من حيث الشكل والموضوع، اى صدورها من السلطة التى
حددتها القاعدة الاسمى وباتباع الاجراءات التى بينتها وأن تكون متفقة فى مضمونها
مع مضمون القاعدة الاعلى لان المناط فى
الاصل عند التعارض هو ان الاعلى يسود
الادنى .
ب ـ العرف الاداري :
العرف قانون اجتماعي تلقائي ، يتكون من تلقاء نفسه في حياة الناس
بناءاً على قوة العادة وتحت ضغط حاجات الافراد .
والعرف هو اطراد العمل بين الناس وفقاَ لسلوك معين اطراداً مقترناً
بأحساسهم بوجود جزاء قانوني يكفل احترام هذا السلوك . ولكي يصبح العرف مصدراً من
مصادر القانون ، لابد ان تتوفر فيه عدة شروط وهي ان يكون عاماً وان يكون قد استقر
فترة من الزمن ، وان يكون ثابتاً وان يكون ملزماً وان لايكون مخالفاً للنظام العام
والاداب .
وهذه الشروط يمكن ردها الى عنصرين الاول هو عنصر العادة ويتكون من
صفات العموم والقدم والثبات ، وعنصر معنوي هو الالزام .
والعرف بهذا المعنى قاعدة قانونية يستوجب توقيع جزاء مادي على مخالفته.
ويمكن تعريف العرف الاداري بانه مجموعة القواعد التي درجت الادارة على
اتباعها فيما يتعلق بمجال معين من نشاطها بحيث تصبح هذه القواعد بمثابة القواعد
القانونية من حيث الزامها .
وتأكيداً على اهمية العرف الاداري ، تقول محكمة القضاء الاداري
المصرية ( ان العرف الاداري هو بمثابة القانون من حيث وجوب احترامه والعمل به ،
فأذا ما خالفت الجهة الاداية العرف الاداري يكون تصرفها والحالة هذه قد انطوى على
مخالفة القانون ، وبالتالي يكون القرار المطعون فيه باطلا ويكون المدعي محقاً في
دعواه ) .
وفي حكم اخر تذهب هذه المحكمة الى انه اذا وضعت احدى الجامعات مشروع
لائحة والتزمته وطبقته باطراد ودون ان يصدر به تشريع اصبح هذا المشروع قاعدة
تنظيمية عامة تعتبر مخالفتها مخالفة قانونية ، وذلك ان المخالفة القانونية ليست
مقصورة على مخالفة نص في قانون او لائحة ، بل هي تشمل مخالفة كل قاعدة جرت عليها
الادارة والتزمتها منهجاً لها .
ويلاحظ ان احترام القواعد العرفية والالتزام بها من قبل الادارة لا
يعني دوام هذه القواعد الى الابد . لانه القول بذلك يؤدي الى قعود الادارة عن
مواكبة التطورات التي تلحق بعموم المجتمع وبالعمل الاداري خاصة ، وعلى هذا قد تتخذ
الادارة سلوكا جديداً لمواجهة وقائع واحوال مستجدة وتستقر عليها فترة من الزمن
ليأخذ شكل العرف تدريجياً .
ولكي تتحقق مشروعة العرف الجديد ينبغي ان يسري عليه مبدأ مساواة
المواطنين امام القانون ، اي ان يطبق بصفة
مستمرة على جميع الحالات التي تواجهها الاارة بعد استقراره ، فاذا تبين ان خروجها
عن العرف القديم كان محاباة لحالة فردية ، وانها عادت لتطبيق العرف القديم على
حالات اخرى ، تحقق عيب مخالفة القانون .
ج ـ احكام القضاء :
تعتبر أحكام القضاء مصدراَ تفسيراً بالنسسبة للاحكام التي يصدرها
القضاء العادي ، الا ان ذلك لايصدق تماماً على الاحكام التي تصدر عن القضاء الاداري
، ذلك ان القانون الاداري يتصف بانه قانون حديث غير مقنن ، وانما توجد تشريعات
ادارية متفرقة ، وهي في الغالب لا تتضمن مباديء عامة ، وقد لا يجد القاضي الاداري
في هذه التشريعات النص الذي ينطبق على النزاع المعروض عليه ، وعندها يتولى بنفسه
استنباط الحكم القانوني الواجب التطبيق
على النزاع المعروض عليه دون ان يكون ملزماً بالمباديء القانونية المدنية اذا كانت
لا تناسب العمل الاداري، ذلك انه ملزم قانونا بايجاد الحل المناسب للنزاع المعروض
عليه والا عُد منكراً للعدالة ، وفي مثل هذه الاحوال يلجأ القاضي الاداري الى استخلاص الاحكام من المباديء العامة التي تحكم
النظام القانوني في الدولة والمبادئ التي
اوردتها النصوص القانونية في فروع القانون الاخرى ما دامت ملائمة للعمل الاداري او
يجري علها تحويراً بما يجعلها ملائمة
للروابط الادارية ، فان لم يجد في كل ذلك
حلاً مناسباً للنزاع المعروض عليه وجب عليه ان يستوحي الحلول من قواعد القانون الطبيعي وقواعد
العدالة .
وهكذا قامت النظرية العامة في القانون الاداري على القواعد التي
استنبطها القضاء الاداري من خلال احكامه، وقد تولى مجلس الدولة الفرنسي تشييد معظم
نظريات القانون الاداري ، مثل نظرية المرفق العام ونظرية العقد الاداري ونظرية
الضبط الاداري ونظرية التعسف في استعمال السلطة ونظرية الظروف الطارئة وغير ذلك .
وهكذا قيل بان القضاء الاداري لا يبتدع الحلول المناسبة للمنازعات التي تعرض عليه فقط ، ولكنه
ينشيء المباديء القانونية العامة التي تستنبط منها تلك الحلول ايضاً.
وتؤلف هذه الحلول قواعد ومباديء جديدة تضاف الى مصادر المشروعية
الاخرى التي تلتزم بها الادارة في تصرفاتها ،مما يعني ان مخالفتها تؤدي بالقرار
الاداري الى الانحدار الى حالة عدم
المشروعية .
وقد اعترف الشرع المصري بدور القضاء الاداري في خلق واستنباط قواعد
القانون الاداري ، حيث نص في المذكرة الايضاحية للقانون رقم 165 لسنة 1955
المتعلقة بتظيم مجلس الدولة المصري ، على
انه ( ... يتميز القضاء الاداري بانه ليس مجرد قضاء تطبيقي كالقضاء المدني ، بل هو
في الاغلب قضاء انشائي يبتدع الحلول المناسبة للروابط القانونية التي تنشأ بين
الادارة في تسييرها للمرافق العامة وبين الافراد وهي روابط تختلف بطبيعتها عن
روابط القانون الخاص ) وتتمتع الاحكام القضائية بما يعرف فقهاً بقوة الحقيقة
القانونية، سواء في مواجهة اطراف النزاع او في مواجهة الكافة ، ذلك ان قرار الحكم
الذي اكتسب الدرجة القطعية يتمتع بحجية
الشئ المقضى به، وتتضمن هذه الحجية معنيين
، معنى شكلي يتمثل في ان قرار الحكم القضائي يتضمن الحقيقة القانونية
ويترتب على ذلك ان موضوع النزاع المقضى فيه لا يمكن ان يكون محلا لاية دعوى
مستقبلاً ، ومعنى مادي يتعلق بتنفيذ قرار الحكم ، فاذا لم ينفذ القرار من قبل من
صدر في مواجهتهم اذعاناً للحكم ، تتولى السلطة العامة تنفيذه بالقوة من اجل ايصال
الشئ المقضى به الى المنتفعين من القرار.
وعليه اذا كانت الادارة طرفاً في النزاع فانها ملزمة بتنفيذ قرار
الحكم ، واذا لم تكن طرفاً في النزاع فانها لا تلتزم به الا اذا كان مما يحتج به
على الكافة .
واستقر قضاء مجلس الدولة الفرنسي على اعتبار مخالفة الشيء المقضي به ،
مخالفة للقانون ، ورتب عليها نفس الاثر المترتب على مخالفة القوانين . (12)
وتأكيداً لمبدأ الولاية العامة للقضاء جاء في قرار مجلس شورى الدولة
اللبناني رقم162 في 20/12/1994( تبقى قابلة للنقض امام المجلس قرارات الهيئات
الادارية ذات الصفة القضائية حتى ولو كانت نهائية وغير قابلة لأي طريق من طرق
المراجعة.) (13)
ولاشك ان في ذلك اقرار لمبدأ مهم للغاية ، فعلى الرغم من نص القوانين
الادارية على ان قرارات الادارة بشأن من الشؤون تعتبر نهائية وغير قابلة للطعن ،
فان القضاء اكد ولايته على الرغم هذه النصوص ويمكن ان نفسر هذا التوجه بان المجلس
فسر النص القانوني على ان المقصود من النهائية وعدم جوازالطعن هو عدم جواز الطعن
به امام الجهات الادارية وليس امام القضاء .
وبصدد الامتناع عن تطبيق احكام القضاء جاء في قراره رقم 167 في
14/12/1993انه ( وبما انه يستفاد مما تقدم ان اللجنة المذكورة بدل ان تذعن لقراري
هذا المجلس بهذا الشأن اعادت الاوراق اليه مجددا، الامر الذي يخالف احكام المادة
120 من قانون مجلس شورى الدولة لجهة مخالفة قوة القضية المحكمة.وبما ان مخالفة
القانون او القضية المحكمة هي من الاسباب التي تؤدي الى نقض القرار المطعون فيه
وفاقا لاحكام المادة 119 معطوفة على المادة 108 من قانون مجلس شورى الدولة.وبما ان
القرارين رقم 17 و18 المطعون فيهما يكونان مستوجبي النقض بما ذكر اعلاه.) (14)
وفي هذا المقام يثار تساؤل مفاده : هل ان تسلسل مصادر القانون وقواعد
التفسير تسري على اعمال القضاء مثلما تسري على اعمال الادارة ؟
الجواب هو بالتأكيد ، بما ان رجل الادارة يفسر القانون فعليه ان يلجأ
الى مصادر القانون والى قواعد التفسير للوصول الى حكم الحالة المعروضة عليه. فهذا
هو التنفيذ السليم للقانون.
وهذا هو السبب في وجود دائرة
قانونية في جميع وزارات الدولة ، وفي حالة عدم قناعة الموظف بالتفسير الاداري
فيجوز له الطعن به امام القضاء الاداري ، لان التفسير الاداري يتخذ من الناحية
العملية شكل قرار اداري .
د ـ مبادىء القانون العامة :
الاسباب التاريخية للتخلف الاداري
تميزت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الاولى (1914 ـ 1917) بمحاولة
الدول الغربية تطبيق نماذج من واقعها الدستوري والقانوني والاداري في الدول
العربية الخاضعة لنظام الانتداب . فقام لهذه الدول برلمان و دستور وقوانين وقوات
مسلحة واقيمت المؤسسات الادارية ( الوزارات ) ، وكانت تلك الدساتير الموضوعة لا
تقل او ربما تتفوق على دساتير الدول التي وضعتها ، حيث نصت على طبيعة تلك الانظمة
السياسية الوليدة بانها ديمقراطية وان الشعب هو مصدر السلطات كما نص على احترام
الحريات العامة وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية
والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين ...
والحال ان ذلك كان مجرد حبراً على ورق ، حيث بقي الحاكم ، ملكاً او
رئيساً هو مصدر السلطات على مر الزمن ، وكما يبدو فان نقل هذه تجربة التي استوفت كل مقومات نضوجها والوعي بها في بيئتها
الغربية الى الشرق على يد الدول المنتدبة وفي اجواء الشك ونظرية المؤامرة ، فضلا
عن الجهل بها ، قد ادى الى مسخ هذه التجربة الانسانية الفذة وافرغها من مضمونها المعرفي بل ان دلالتها المصطلحية قد
تعرضت للتشويه والتحريف على يد الانظمة الشمولية التي انتجتها ثورات مزعومة مدبرة
والتي افرزت مفهوم الثقافات الخاصة والديمقراطية الخاصة ، والزعم ان الديمقراطية هي من طبيعة الغرب نفسه وبالتالي يتعذر على الثقافة
العربية اعادة إنتاجها، وهو زعم يفتقد الرؤية التاريخية لتطور المجتمع البشري وتعمد
اغفال الاشارة الى التجارب الديمقراطية الحديثة في مختلف انحاء العالم من الشرق
والغرب.
والحال ان نظام الدولة
القانونية الديمقراطية ومؤسساتها الدستورية، نظام انساني بكل معنى الكلمة ،ولايمكن
احالة مجمل تأسيسه الى مجموعة بشرية معينة بالذات بل هو وليد تطور لصراع استمر ،
ولايزال ، عبر فترات متعاقبة من التاريخ بين الحكام والشعوب ، فكان خلاصة التجارب
الأنسانية التي عانت من مآسي الحكم الاستبداي عبر التاريخ.( إلا أنه يرجع
لليونانيين الفضل في نشأة بعض الأفكار والمبادئ القانونية الراسخة في عالم اليوم
مثل الديمقراطية والحرية والمساواة وغير ذلك وإن لم تصل إلى المفهوم العصري لها
ومدلولها الشامل ) .
ان الديمقراطية وسيلة لاهدف بحد ذاته ، فهي وسيلة انسانية
متطورة لاحتواء الثقافات المتنوعة وطموحات القوميات المختلفة لغرض تحويل الصراعات المحتمل نشوؤها ، على اثر
هذا التنوع والاختلاف ، الى صراعات سلمية وفقا لقواعد محددة تسمى احيانا بـ (
قواعد اللعبة الديمقراطية ) ويلاحظ الناظر ان انجح الديموقراطيات كانت في الدول
الاشد تنوعا واختلافا ، وكانت سببا مباشرا في نهضة هذه الشعوب ، بما اتاحته من
تنظيم قانوني يقوم على الارادة الحرة للشعب وترسيخ قيم وأخلاقيات وتقاليد علمية
، تقوم على احترام الرأي الأخر واتاحة
الفرصة للابـداع الفكري ليـأخذ دوره في الحياة العامة ، وخلق نظم ادارية مؤسساتية فعالة تدعم
الابتكار وأنتاج المعرفة ،ولعل ذلك ينطبق
على مفهوم الدولة الحديثة التي بلغها الكثير من مناطق العالم الثالث، بغض النظر عن
السياق التاريخي، بمختلف متغيراته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، الذي أسفر عن
ولادة هذا النموذج من الدولة في تلك المناطق. وهو سياق يحمل بعض الاختلاف عن ذلك
الذي حدث في الغرب الا انه انتج نموذج الدولة الحديثة الديمقراطية كما في التجربة
اليابانية والكورية والهندية ....
فقد نشأت الدولة الحديثة والتجربة الديمقراطية المستندة الى الارادة
العامة على اساس فلسفي وفكري ابتدعه مفكري عصر التنوير وبدعم من الطبقة البرجوازية
الناشئة التي تتعارض طبيعتها مع الجمود الاداري والحكم المطلق مما هيأ التربة
الخصبة لتقبل فكرة النظام الديمقراطي ومؤسساته ، فكان عصر التنوير وما أنتجه من
أفكار وضعية وعقلانية ملهماً لعدد من الثورات الاجتماعية والسياسية شهدتها أوروبا
في القرنين الثامن عشر والتاسع
لقد تبنى فلاسفة عصر التنوير جملة من المبادئ إلانسانية مثلت الاساس
النظري لقيام الدولة القانونية الديمقراطية ، ومن اهم هذه المبادئ، نظام الحكم الديمقراطي ومبدأ سيادة
القانون والحرية الفردية ومبدأ سلطان الارادة والعدالة والمساواة. وقد كرست هذه
المبادئ في جملة تشريعات كانت بمثابة الاساس القانون للتقدم والسلام الاجتماعي .
ان اعظم التغييرات القانونية والادارية الكبرى انما حدثت بعد الثورات
الكبرى في العصور الحديثة ، فانجبت حرب التحرير الامريكية ( 1775 – 1785 ) الدستور
الامريكي (1787)بينما انجبت الثورة الفرنسية الدستور الفرنسي( 1789) وهكذا تم الانتقال الى عصر حرية الراي والتعبير
السياسي والفني والعلمي، الا ان هذه الثورات لم تأت من فراغ انما مهد لها كتاب
مبدعين كما قدموا لها الدعم عندما قامت مما اتاح للعقول النيرة ابداع اعظم الافكار
القانونية والادارية التي غيرت وجهة التاريخ .
لقد اسس جون لوك ( 1632-
ـ1704) نظرية ليبرالية ديمقراطية كاملة من خلال طروحاته التي تتوزع بين ( الكتابات حول التسامح ) و ( معالجة الحكومة
المدنية ) .فكان المنظر الأساسي للنظام الديمقراطي ولمبدأ سيادة القانون أو لما يسمى " الثورة المجيدة " في
إنجلترا عام 1688. هذه الثورة التي أسست الملكية الدستورية فعرفتها أولا الثورة
الإنكليزية 1688 ، ومن ثم الأمريكية والفرنسية ، وهكذا مهد جون لوك للثورات
الحديثة.
بينما ابدع مونتسكيو مبدأ الفصل بين السلطات في كتابه (روح القوانين )
وابدع جان جاك روسو النظم الانتخابية الحديثة في كتابه (العقد الاجتماعي).
ولو رجعنا الى خلفيات هذه الثورات ، بل الثورات الني سبقتها حتى في
عصور الاغريق والرومان، لوجدنا ان سببها الرئيس هو القوانين الظالمة وجمودها وعدم
مواكبتها للتطور الانساني، ذلك ان التفسير الحرفي والضيق للقانون انما يعود بنا
الى عهد المسلات الحجرية، فما هو السبيل الى اخراج الادارات العامة من محنتها ومن
ترددها ؟
لاحظنا إن المفكرين في العصور الحديثة أسسوا نموذجا جديدا للنظام
الاجتماعي ، يقوم على مبدأ تكافؤ الفرص والحرية الفردية وحقوق الإنسان ، واقتصاد
السوق الحر، ومؤسسات البحث الأكاديمية المستقلة ، واطلاق عمل منظمات المجتمع
المدني والصحافة الحرة .. فانتج نموذجاً راقيا وساميا لتنظيم العلاقات بين البشر .
هذه الأسس الفكرية للنظام الاجتماعي هي التي سمحت بقيام الدولة الحديثة وديمومتها.
يقول المفكر مكسيم رودنسون في كتابه بين الاسلام والغرب ان اول شيء
ينبغي تغييره هو الفكر ، هو عقلية الناس ، وبعدئذ يجيء التغيير الاخر من تلقاء
ذاته ، ولولا فلسفة التنوير الاوربية لما كانت الثورات السياسية الحديثة ، ولا غرو
فالفكر هو اعلى وانبل شيء في الوجود.(55)
ان مشكلة الادارات العامة المتعاقبة منذ تاسيس الدولة العراقية انها
لم تقم على مبدأ مساواة المواطنين امام الوظيفة العامة اومبدأ تكافؤ الفرص، بل ان
التوظيف كان وما برح يقوم على اعتبارات عشائرية وطائفية وسياسية ، اما الكفاءة
والعبقرية فلا يلتفت اليها بل انها تهدر وتسحق في اغلب الاحيان بالنظر لاحساس
الجهلة الطبيعي بخطورة اصحاب الكفاءات على مراكزهم الوظيفية بما يشكلونه من منافسة
حقيقية لوجودهم ، وكان ذلك سبباً مباشراً في هجرة العقول العراقية الغالية التي لا
تقدر بثمن الى مختلف بقاع الدنيا ، فقدموا اعظم الانجازات والخدمات العلمية
والفنية لشعوب لا تمت اليهم باية صلة.
كما اني دائم الاسف حينما اسأل عن زملاء ، اعتبرهم شخصياً من العباقرة
في القانون والادارة ، فاجد انهم قد غادروا العراق الى شتى بقاع الدنيا. وهذا امر
مؤسف حقاً فالزمان لا يجود بعبقري كل يوم ، فالعبقرية شيء نادر للغاية ، حقاً.
مبدأ تكافؤ الفرص : تكافؤ الفرص احد اهم الاسس التي تقوم عليها
العدالة الاجتماعية ، ونصت على هذا المبدأ معظم الدساتير المعاصرة ، ومضمون المبدأ
ان تعمل التشريعات على محو الامتيازات الخاصة والفوارق المصطنعة بين افراد المجتمع
، بعد ان كانت المجتمعات الانسانية بصفة عامة تقسم ابناء الشعب الى طبقات متدرجة
في القيمة ومقدار الحقوق التي تنالها كطبقة الاشراف وطبقة المحاربين وطبقة العامة
وطبقة العبيد، وكانت اغلب هذه الامتيازات تنتقل بالوراثة ، الا ان فكرة التمييز
الطبقي بين ابناء المجتمع الواحد لم تلق قبولا في الفكـر الحر المعاصر فتم التخلي
عنها تدريجيأً .
ويتيح هذا المبدأ ، مبدأ تكافؤ الفرص ، لكل فرد من افراد المجتمع
التمتع بخيرات المجتمع بالقدر الذي تؤهله له كفائته وقدراته الذاتية .
وفي ظل هذا المبدأ اصبح للنخبة او الصفوة الاجتماعية معنى ومضمون اخر
.
فالنخبة الاجتماعية في عالم
اليوم هم من يتمتعون بالكفاءات المعرفية ، سواء كانت علمية او ادبية او فنية او
مهنية او غيرها ، التي اكتسبها افراد المجتمع من خلال الجد والمثابرة ومن ثم سخروا
معارفهم لخدمة مجتمعهم وعموم المجتمعات الانسانية.
والنظام الاجتماعي العادل هو الذي يتيح للنخبة الاجتماعية من ابنائه،
بالمعنى الذي اشرنا اليه ، بان تتولى مناصب الصدارة في قيادة المجتمع . وكل نظام
اجتماعي لا يضع النخبة في مكانها الذي تستحقه وكان معياره الولاء العشائري او
الحزبي لا الكفاءة ، ولا يكون للافراد فيه مجال للخلق والابداع ، لابد ان ينحدر
نحو هاوية التخلف والصراع ،ذلك ان تمكين الجهلة والمتملقين والانتهازيين من الوصول
الى المناصب القيادية في الدولة يقود حتماً الى الاستبداد والطغيان والفوضى والفساد
وعدم الشعور بالمسؤولية فى المجتمع ، والشعور بالغبن والاجحاف ، وتردي الاخلاق
العامة وأزدواجيتها ومَدعاةً لنمو ثقافة القسوة والنفاق والدكتاتورية ، وتأليه
الذات البشرية التي تفضلت على اولئك الجهلة وسلمتهم مقاليد الامور في البلاد، ومن
ثم تكرس كل مصالح الدولة وقوانينها لخدمة اغراضهم غير المشروعة .
ويعبر احد اساتذة القانون عن ذلك تعبيراً دقيقاً بقوله ( ... وكل
تشريع يرفع غير الصفوة القادرة ويقيس بغير مقياس
الكفاءة ويصد العبقريات عن مصاعدها ويعيق النخبة عن القيام برسالتها ويلهب
بالحرمان والخيبة نفوسها ، لا يمكن اعتباره تشريعاً ظالماً فحسب وانما هو تشريع
ينسف قواعد سـلامة المجتمع من اساسها وتغدو اجهزة الحكم في ظلـه فمـاً يلتقـم
ويـداً تنتـقـم )
ان الادارات العامة لا تتطور في العراق وفي الوطن العربي عموماً الا
اذا قادها أصحاب الكفاءات من ذوي القدرة على التخطيط الستراتيجي والقدرة على تنفيذ
تلك الخطط..(56)
ان غاية عمل الادارات العامة
ينبغي ان يقوم على أساس تحقيق العدالة الاجتماعية والحكمة والتبصر ، حيث يميز
الفلاسفة بين اربعة فضائل أساسية ينبغي ان تحكم سلوك الانسان هي التبصر ، العدل ،
ضبط السلوك الاجتماعي ، والجلد والشجاعة . ومن بين هذه الفضائل الأربعة يرتبط
التبصر والعـدل بعلم القانون ، والتبصر وهو فضيلة عليا تتمثل في القدرة على اعمال
العقل والتفكير السليم الموجه للتصرفات والاعمال للوصول الى الغاية المنشودة ،
وينبغي ان يقوم العمل التشريعي والقضائي والاداري ومعيار السلوك المطلوب من
الافراد على اساس التبصر.
****************
الهوامش
1ـالأنفال:27-28.
2ـ النساء: الآية 58.
3ـ انظر بصدد اراء المدرسة
التاريخية د. سليمان مرقس، الوافي ـ شرح القانون المدني ،ج1، المدخل للعلوم
القانونية ، ط6، 1987 ، ص 460ـ 461 ، وانظر بصدد رأي الاستاذ السنهوري، د. محمد
شريف احمد ، نظرية تفسير النصوص المدنية ، دراسة مقارنة بين الفقهين المدني
والاسلامي ، ص188 ومابعدها وص226ـ227.
4ـ انظر بصدد اراء الفقيه
سالي ، د. محمد شريف احمد، مصدر سابق، ص 189 وما بعدها
5ـ انظر د. عبد الحي حجازي،
المدخل لدراسة العلوم القانونية ،ج1،القانون ، ص 537 ، 538، وكذلك الاستاذ ضياء
شيت خطاب ، فن القضاء ، بغداد ، ص 70 ، وكذلك د. حسن بغدادي ، النقص في احكام
التشريع ، مجلة القضاء ، بغداد ، العدد (4ـ5) س4 ، 1945، ص 399 وما بعدها. وانظر
خلاف اراء الشراح هانز كلسن ، النظرية المحضة في القانون ، ترجمة د. اكرم الوتري ،
ص 136 وما بعدها.
6ـ انظر بصدد معطيات القانون ، بحثنا ( اساس مقولة ان التشريع متى
توقفت حكمته توقف حكمه ) ، منشور على شبكة الانترنيت.
7ـ انظر بهذا المعنى د. حسن بغدادي، مصدر سابق، ص 399 وص 406ـ408 و
محمد احمد رمضان ـ دور القاضي في انشاء القاعدة القانونية المدنية ـ دراسة مقارنة
، رسالة ماجستير ، كلية القانون ، جامعة بغداد ، ص 57 و كذلك د. عبد الحي حجازي ،
مصدر سابق ، ص544 و 554ـ555 ، وانظر بهذا
المعنى الاستاذ عبد الباقي البكري، مباديء العدالة مفهومها ومنزلتها ووسائل
ادراكها،مجلة العلوم القانونية والسياسية ،كلية القانون ـ جامعة بغداد ،عدد خاص ،
مايس ص 65.
8ـ عبد الحي حجازي ، مصدر سابق ،ص553 وكذلك محمد احمد رمضان ، مصدر
سابق ،هامش2 ص136ـ 137 .
9ـ. الاستاذ س.ف كاناريز ، سد الفراغ في القانون وموقف النظام
القانوني الالماني ، ترجمة د. عبد الرسول الجصاني ،مجلة القضاء، نقابة المحامين
العراقية،ع1س28،كانون الثاني ،شباط ، اذار،سنة 1973 ،ص76ـ77.
10ـ انظر بصدد تفسير القانون الجزائي والتمييز بين القواعد الجزائية الايجابية
والقواعد الجزائية السلبية ،د. علي حسين الخلف ود. سلطان عبد القادر الشاوي ،
المباديء العامة في قانون العقوبات ، شركة العاتك لصناعة الكتاب ، القاهرة ،ص38
ومابعدها و ص45 وما بعدها. وانظر كذلك د. احمد عوض بلال ، مباديء قانون العقوبات
المصري ـ القسم العام ، دار النهضة العربية، ص51 وما بعدها وص 55 وما بعدها .
11ـ القانون الاداري بمعناه الضيق ، أي بأعتباره قواعد متميزة عن
قواعد الشريع العامة (القانون المدني) يحكم علاقات الادارة العامة مع الافراد ، لم
يبدأ بالظهور الا في فرنسا عقب قيام ثورتها سنة 1789 ، وعلى وجه التحديد منذ انشأ
مجلس الدولة الفرنسي في السنة الثامنة للثورة. بينما تمتد جذور القوانين الاخرى
كالقانون الجزائي والقانون المدني الى قانون اورنمو وقانون حمورابي العراقيين وذلك
حوالي القرن العشرين قبل الميلاد. انظر د. محمد علي بدير و د. عصام عبد الوهاب
البرزنجي و د. مهدي ياسين السلامي ، مباديء واحكام القانون الاداري، مصدر سابق، ص
28 وص33 ومابعدها.
12ـ انظر بصدد مصادر القانون الاداري، انس جعفر ،استاذ القانون العام
، القرارات الادارية ، دار النهضة العربية ، ط2، 2005 ، ص 9 ومابعدها ، وانظر كذلك
د. محمد علي بدير و د. عصام عبد الوهاب البرزنجي و د. مهدي ياسين السلامي ، مباديء
واحكام القانون الاداري، مصدر سابق ص 42 ومابعدها ، وكذلك انظر د. محمد محمد عبد
اللطيف ،قانون القضاء الاداري، الكتاب الثالث ، مسؤولية السلطة العامة،دار النهضة
العربية،2004 ، ص39 وما بعدها
13ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني ، العدد التاسع سنة 1994 - 1995 ص
168.
14ـ مجلة القضاء الاداري العدد الثامن سنة 1993 ص 171.
15ـ الغلط الشائع يقوم مقام القانون ، مبدأ قانوني مهم وراسخ تاريخياً
، متفرع من نظرية الاوضاع الظاهرة ،التي تستند الى مبدأ امن واستقرار المعاملات في
المجتمع ، فاذا شاعت فكرة مغلوطة بين الناس وترتب عليها نشوء قواعد سار عليها
افراد المجتمع ونظموا شؤونهم ومصالحهم على اساسها فانها تصبح كالقاعدة القانونية ،
فان جاء احدهم وخرج على تلك القاعدة ، استحق الجزاء المترتب على مخالفة القانون
ولايقبل منه احتجاجه بانها قاعدة مغلوطة. ومن تطبيقات ذلك ما نصت عليه المادة
(384) مدني عراقي ، من اعتبار الوفاء
للدائن الظاهر مبرئاً لذمة المدين ، واعتبار تصرفات الوارث الظاهر صحيحة ونافذة في
مواجهة الوارث الحقيقي ،فاذا وضع شخص يده على تركة متوفي باعتباره وارثاً وتصرف
باموال التركة للاخرين حسني النية ، ثم تبين انه ليس بوارث ،في هذه الحالة تبقى
التصرفات التي اجراها صحيحة ، ومن تطبيقات حماية الوضع الظاهر قاعدة ( الحيازة في
المنقول سند الملكية ).
16ـ انظر د. مالك دوهان الحسن،المدخل لدراسة القانون،ج1،بغداد، ص20 ،
وانظر د. عبد المجيد الحكيم ، الوسيط في
نظرية العقد ،ج1، في انعقاد العقد،1968، ص476 وانظر د. سمير تناغو، النظرية العامة
للقانون،1973، ،ص246 ـ 260 ، وانظر د. عبد الحي حجازي ، مصدر سابق ،هامش ص493 وص
494 ـ 497 ، وانظر كذلك د. توفيق حسن فرج، المدخل للعلوم القانونية ،1976 ، ص 269
17ـ مجلة القضاء الاداري العدد الرابع سنة 1989 ص 207.
18ـ مجلة القضاء الاداري العدد السادس سنة 1991 و1992 ص 362.
19ـ مجلة القضاء الاداري العدد الرابع سنة 1989 ص 227.
20 ـ مجلة القضاء الاداري العدد الثالث سنة 1987 - 1988 ص 168.
21ـ انظر بهذا المعنى د.محمد شريف احمد ، ص 165 ، وكذلك انظر د. حسن
بغدادي ص 399.
22ـ البقرة ـ الاية 288.
23ـ انظر بهذا المعنى الاستاذ س.ف.كاناريز،مصدر سابق،ص80 ـ 82،ص84 ـ
85 ،ص87 ، وكذلك انظر ابرهيم شحاتة، في اجتهاد القاضي ، مجلة العلوم القانونية
والاقتصادية ، جامعة عين شمس س4،يوليو سنة 1962،ص416ـ417،ص419ـ420 ،ص423ـ425،
وكذلك انظر بهذا المعنى الاستاذ عبد الباقي البكري، مباديء العدالة مفهومها
ومنزلتها ووسائل ادراكها،مجلة العلوم القانونية والسياسية ،كلية القانون والسياسة
ـ جامعة بغداد ،عدد خاص ، مايس 1984 ص 65.
24ـ اصول القانون او المدخل لدراسة القانون ، د. عبد الرزاق احمد
السنهوري و د. احمد حشمت ابو ستيت ، دار الفكر العربي ، 1952 ، ص111ـ114،وانظر
كذلك د. حسن علي الذنون ، المسؤولية المدنية،نظرية تحمل التبعة،مجلة العلوم
القانونية والسياسية،كلية القانون والسياسة،عدد خاص،مايس 1984،ص84 ، وكذلك انظر
د.محمد شريف احمد ، مصدر سابق ص165 .
25ـ انظر ــ د. حامد زكي
،التوفيق بين القانون والواقع، ج2،مجلة القانون والاقتصاد ، مصر ، س2ع2 ، ص254.
26ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني، العدد السادس سنة 1991 و1992 ص 302.
27ـ مجلة القضاء الاداري
اللبناني، العدد الثامن سنة 1994 ص 223.
28ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني،عدد خاص بالقرارات المتعلقة بالقضايا الانتخابية سنة 1998 ص 372.
29ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني، العدد
الرابع سنة 1989 ص 204.
30ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني،عدد خاص بالقرارات المتعلقة
بالقضايا الانتخابية سنة 1998 ص 379.
31ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني،العدد
السادس سنة 1991 و1992 ص 407.
32ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني،العدد الثالث سنة 1987 - 1988 ص
189.
33ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني،العدد الثامن سنة 1993 ص 121.
34ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني،العدد الثامن سنة 1993 ص 121.
35ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني،العدد الرابع سنة 1989 ص 207.
36ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني،العدد الرابع سنة 1989 ص 227.
37ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني، العدد التاسع سنة 1994 - 1995 ص
168.
38ـ من المعلوم ان السلطة التشريعية تسمو مركزا على باقي السلطات
داخل الدولة من الناحية الدستورية ، الا ان كثرة عدد اعضائها وضمها لاتجاهات فكرية
وعرقية متنوعة وتميز اعمالها بالمنازعات الفكرية ، جعل من اعمالها متسمة بالبطء
والتأخير ، بينما تتسم اعمال السلطة التنفيذية بالسرعة في مواجهة الحدث ووحدة مصدر
القرار فضلا عن سيطرتها على اجهزة القمع والردع ، مما جعل لها ، من الناحية
الواقعية الهيمنة والنفوذ والسيادة داخل الدولة .
39ـ انظر بصدد المدارس المختلفة في التفسير وكذلك النظرية التقليدية
في التفسير: د. محمد شريف احمد ، نظرية تفسير النصوص المدنية ، دراسة مقارنة بين
الفقهين المدني والاسلامي ، بغداد ، 1981، ص 170 وما بعدها، وانظر: اصول القانون
او المدخل لدراسة القانون ، د. عبد الرزاق احمد السنهوري و د. احمد حشمت ابو ستيت
، دار الفكر العربي ، 1952 ، ص 238 ومابعدها وانظر بصدد التفسير الضيق والتفسير
الواسع ، عبد الباقي البكري وزهير البشير ، المدخل لدراسة القانون ، شركة العاتك
لصناعة الكتاب ـ القاهرة ، ص 117 وما بعدها.وانظر: أ.د علي حسين الخلف و أد. سلطان
عبد القادر الشاوي ، المباديء العامة في قانون العقوبات، المكتبة القانونية ،
بغداد ، 2006، ص40 وما بعدها.
40ـ انظر بصدد التمييز بين الوظيفة الادارية والوظيفة القضائية ، د.
محمد علي بدير و د. عصام عبد الوهاب البرزنجي و د. مهدي ياسين السلامي ، مبادئ
واحكام القانون الاداري، الناشر العاتك لصناعة الكتاب ـ القاهرة ،ص16.
41ـ انظر بصدد انواع التفسير ،عبد الباقي البكري وزهير البشير ،
المدخل لدراسة القانون ، مصدر سابق،ص120 ومابعدها. ، د. عبد الرزاق احمد السنهوري
و د. احمد حشمت ابو ستيت، اصول القانون او المدخل لدراسة القانون،مصدر سابق، ص237
ومابعدها.
42ـ انظر بهذا المعنى د. عبد الحي حجازي ، المدخل لدراسة العلوم
القانونية، ج1 ،1972.ص523) وكذلك محمد شريف احمد ص266)
43ـ انظر عبد الباقي البكري ص125 ود.محمد شريف احمد ص263
44ـ السنهوري وابوستيت ، مصدر سابق ص249ـ250 ، عبد الباقي ص 125ـ126،
شريف 285ـ286
45ـ جني ، عن د. محمد شريف، مصدر سابق ، ص 286.
46ـ انظر د. محمد شريف، مصدر سابق ،ص 287.
47ـ انظر المادة ( 1075 ) مدني عراقي.
48ـ ذكره د.محمد شريف 295ـ296
49ـ عبد الباقي البكري، مصدر سابق، ص126،السنهوري وابو ستيت ،مصدر
سابق ص 250ـ251 ، شريف، مصدر سابق،ص294ـ300.
50ـ الغلط الشائع يقوم مقام القانون ، مبدأ قانوني مهم وراسخ تاريخياً
، متفرع من نظرية الاوضاع الظاهرة ،التي تستند الى مبدأ امن واستقرار المعاملات في
المجتمع ، فاذا شاعت فكرة مغلوطة بين الناس وترتب عليها نشوء قواعد سار عليها
افراد المجتمع ونظموا شؤونهم ومصالحهم على اساسها فانها تصبح كالقاعدة القانونية ،
فان جاء احدهم وخرج على تلك القاعدة ، استحق الجزاء المترتب على مخالفة القانون
ولايقبل منه احتجاجه بانها قاعدة مغلوطة. ومن تطبيقات ذلك ما نصت عليه المادة
(384) مدني عراقي ، من اعتبار الوفاء
للدائن الظاهر مبرئاً لذمة المدين ، واعتبار تصرفات الوارث الظاهر صحيحة ونافذة في
مواجهة الوارث الحقيقي ،فاذا وضع شخص يده على تركة متوفي باعتباره وارثاً وتصرف
باموال التركة للاخرين حسني النية ، ثم تبين انه ليس بوارث ،في هذه الحالة تبقى
التصرفات التي اجراها صحيحة ، ومن تطبيقات حماية الوضع الظاهر قاعدة ( الحيازة في
المنقول سند الملكية ).
51ـ انظر بصدد المبادئ العامة للقانون، أ.د مالك دوهان الحسن،
المدخل لدراسة القانون،ج1، 1972،ص20، وانظر: : د. سمير تناغو ، النظرية العامة
للقانون،1973،ص246 و ص 346 وص 254-260 وانظر: د. عبد الحي حجازي، المدخل لدراسة
العلوم القانونية،ج1،القانون،1972هامش ص493وص494.وانظر: أ. د. عبد المجيد الحكيم ،
الوسيط في نظرية العقد ،ج1، في انعقاد العقد، ص476 وما بعدها وص 487.وانظر: انظر
د. نبيل اسماعيل عمر، سلطة القاضي التقديرية في المواد المدنية والتجارية ،
ط1، 1984،ص147 ، وص150-151 .
52ـ سورة
النساء الاية 2 .
53ـ سورة البقرة الاية 233.
54ـ انظر بصدد تفسير الفقه الاسلامي د.محمد شريف، نظرية تفسير النصوص
المدنية، دراسة مقارنة، 1982،ص182 وما بعدها و ص 217 وما بعدها و ص 248 وما بعدها وص317 وما بعدها.
55ـ جريدة الشرق الاوسط العدد 8965 15 يونيو 2003 .مكسيم رودنسون ، مجموعة
حوارات اجراها جيرار خوري.
56ـ التخطيط الستراتيجي بصورة عامة وضع برنامج ينظم سلفاً سلسلة من العمليات يزمع القيام بها
، وينبه الى وجود اخطاء يتعين تحاشيها ، بغية الوصول الى غاية محددة ، ومن ثم كانت
فكرة التخطيط الستراتيجي توحي دائما باتجاه محدد المعالم ومتبع بانتظام في عملية
ذهنية واجرائية. والتخطيط الستراتيجي اساس متين للأدارة الناجحة.
المراجع العلمية:
ـ د. سليمان مرقس، الوافي ـ
شرح القانون المدني ،ج1، المدخل للعلوم القانونية ، ط6، 1987 .
ـ د. محمد شريف احمد ، نظرية تفسير النصوص المدنية ، دراسة مقارنة بين
الفقهين المدني والاسلامي ، بغداد ، 1981.
ـ أ. د. عبد المجيد الحكيم ،
الوسيط في نظرية العقد ،ج1، في انعقاد العقد.
ـ د. نبيل اسماعيل عمر، سلطة القاضي التقديرية في المواد المدنية
والتجارية ، ط1، 1984،ص147 ، وص150-151 .
ـ جريدة الشرق الاوسط العدد 8965 15 يونيو 2003 .مكسيم رودنسون ،
مجموعة حوارات اجراها جيرار خوري.
ـ د. عبد الحي حجازي، المدخل
لدراسة العلوم القانونية ،ج1،القانون .
ـ الاستاذ ضياء شيت خطاب ، فن القضاء ، بغداد .
ـ د. حسن بغدادي ، النقص في احكام التشريع ، مجلة القضاء ، بغداد ،
العدد (4ـ5) س4 ، 1945
ـ هانز كلسن ، النظرية المحضة في القانون ، ترجمة د. اكرم الوتري .
ـ أ.فارس حامد عبد الكريم ، ( اساس مقولة ان التشريع متى توقفت حكمته
توقف حكمه ) ، منشور على شبكة الانترنيت.
ـ محمد احمد رمضان ـ دور القاضي في انشاء القاعدة القانونية المدنية ـ
دراسة مقارنة ، رسالة ماجستير ، كلية القانون ، جامعة بغداد .
ـ الاستاذ عبد الباقي البكري،
مباديء العدالة مفهومها ومنزلتها ووسائل ادراكها،مجلة العلوم القانونية والسياسية
،كلية القانون ـ جامعة بغداد ،عدد خاص ،مايس، 1984.
9ـ. الاستاذ س.ف كاناريز ، سد الفراغ في القانون وموقف النظام
القانوني الالماني ، ترجمة د. عبد الرسول الجصاني ،مجلة القضاء، نقابة المحامين
العراقية،ع1س28،كانون الثاني ،شباط ، اذار،سنة 1977.
ـ د. علي حسين الخلف ود. سلطان عبد القادر الشاوي ، المباديء العامة
في قانون العقوبات ، شركة العاتك لصناعة الكتاب ، القاهرة.
ـ د. احمد عوض بلال ، مباديء قانون العقوبات المصري ـ القسم العام ،
دار النهضة العربية .
ـ د. محمد علي بدير و د. عصام عبد الوهاب البرزنجي و د. مهدي ياسين
السلامي ، مباديء واحكام القانون الاداري.
ـ انس جعفر ،استاذ القانون العام ، القرارات الادارية ، دار النهضة
العربية ، ط2، 2005 .
ـ د. محمد محمد عبد اللطيف
،قانون القضاء الاداري، الكتاب الثالث ، مسؤولية السلطة العامة،دار النهضة
العربية،2004.
ـ د. مالك دوهان الحسن،المدخل
لدراسة القانون،ج1،بغداد، 1972.
ـ د. عبد المجيد الحكيم ، الوسيط
في نظرية العقد ،ج1، في انعقاد العقد،1968.
ـ د. سمير تناغو، النظرية العامة للقانون،1973.
ـ د. توفيق حسن فرج، المدخل للعلوم القانونية ،1976 .
ـ مجلة القضاء الاداري اللبناني .
ـ الاستاذ ابرهيم شحاتة، في اجتهاد القاضي ، مجلة العلوم القانونية
والاقتصادية ، جامعة عين شمس س4،يوليو سنة 1962.
ـ اصول القانون او المدخل لدراسة القانون ، د. عبد الرزاق احمد
السنهوري و د. احمد حشمت ابو ستيت ، دار الفكر العربي ، 1952.
ـ د. حسن علي الذنون ، المسؤولية المدنية،نظرية تحمل التبعة،مجلة
العلوم القانونية والسياسية،كلية القانون والسياسة،عدد خاص،مايس 1984.
ـ د. حامد زكي ،التوفيق بين القانون والواقع، ج2،مجلة القانون
والاقتصاد ، مصر ،
ــــــــــــــ
فارس حامد عبد الكريم العجرش الزبيدي
Faris Hamid Abdul Kareem AL
Ajrish
ماجستير في القانون
Master in Law
نائب رئيس هيئة النزاهة
سابقاً
باحث في فلسفة القانون
والثقافة القانونية العامة
بغداد ـ العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق