فنان
الشعب
فارس
حامد عبد الكريم
الفن تعبير نفسي وفكري وهو في أروع حالاته
نوع من أنواع الحدس الذي يغور في العمق الباطن للأشياء والموجودات فيكشف عن جوهرها
متجاوزاً ما هو عرضي وزائف في ظاهرها وشكلها الخارجي. والتعبير الفني والأدبي إذ يتأثر
بالاتجاهات الفكرية والاجتماعية السائدة ، الا انه يبقى في النهاية لمسة خاصة
بصاحبه ، لمسة تحمل بين طياتها الشعور الكامن في النفس وتجارب الطفولة وطبيعة
العلاقات الاجتماعية السائدة .
والفن وان كان ينتمي إلى عالم الرقة والشفافية إلا
انه يمكن أن يتحول إلى سلاح فتاك لا يقل أهمية ميدانياً عن أقوى الأسلحة، وقد يبدو
هذا الأمر غير منطقياً نوعاً ما ، الا انه لا عجب ولا غرابة ، فالفن لا ينتمي إلى عالم
المنطقيات الجافة ، وهناك كثير من الأشياء في الحياة تبدو غير منطقية ولكنها
مقبولة ومعترف بها، اما لأنها تنتمي إلى عالم الروحانيات والخيال الإبداعي او لأنها
أفكار خلاقة سبقت زمانها ، وعلى هذا النحو فان مرونة الفن تسمح له ان يأخذ شكل
مظاهر ومشاهد متنوعة.
والعـــراق بلد الشعر الشعراء والشاعرات والفن
والفنانين والفنانات، وهم يتوالدون وينمون كالنخيل في كل مكان، ولم تخلو أية مرحلة
من مراحل حياتنا من صداقة شاعر او فنان او أديب ، كيف لا وكل شي في العراق جميل وعذب ونقي، من
الناس إلى الأشياء والماء والشجر ...
الا
ان الكثير من حملة مشعل الثقافة والأدب والفن قد هاجر وسكن بلاد الغربة ، ولان العراق وطن لا
ينسى فقد بقى حبه والحنين إليه في القلب والضمير.
وفي
بلاد الغربة الباردة تلك مارس البعض منهم النواح من بعيد على ما جرى ويجري في بلدهم
، بينما وقع البعض الاخر بيد أعداء العراق
وحساده فاستغلوا براعتهم لتنفيذ مؤامرات ودسائس سوداء بحق أطفال ونساء ورجال بلاد الرافدين وبحق مستقبلهم .، فكانت إصابتهم
موجعة ومحزنة ...
نعم
لم يكن ليهمنا لو كتب كل من يكتب وغنى كل من يغنى ضد العراق ، لكن يهمنا جداً الا
يقف شاعر او فنان أو أديب ضد شعبه ولو بحسن نية، بل يحزننا ويثير فينا مشاعر الأسى
ان يقف شاعراً عراقياً ليمدح رئيساً او ملكاً او اميراً وهو ما برح يعمل سراً
وعلناً ضد العراق ..
ويحزننا ايضاً ان يغني العراقي بصوته الدافئ على
كل مسارح الدنيا ولا مسرح له في العراق ... نعم تحزننا أشياء كثيرة.
يا فنانوا العراق وشعرائه ومطربيه المنتشرون
في كل بقاع الدنيا هجرة وغربة ... بإمكانكم بطريقة جدية ، المساهمة في وقف نزيف
الدم العراقي ، نعم صدقاً وحقاً بإمكانكم المساهمة في وقف جرائم قتل أطفال العراق
واستهداف حياة كل العراقيين.
نعم انتم اعرف من غيركم بما للفن من دور
جوهري في تنقية الضمير الأدبي وتوجيه الرأي العام وإضفاء الرقة والنعومة على خشونة
اليوم العراقي.
بإمكانكم ايضاً .... ابراز شموخ نخيل العراق
، واضافة نكهة جديدة إلى عطر رازقي حدائق بغداد ، والجوري والمحمدي ... في كل
حدائق العراق.
كذلك بإمكانكم أيضا ان تكونوا في الصف الذي
تقف فيه ام حيدوري وأم عموري وام حمودي وكل أمهات الشهداء ومن ترملن وهن في عمر
الزهور ...
في
صف أولئك الرجال العظام ، أهل الكرم والغيرة والناموس، الذين فقدوا أبنائهم ،في
مغامرات سابقة وراهنة ، وأودعوهم المقابر قبل ان يزوجهم من بنت الحلال ... وليس في
صف أعداء العراق ومن يستغل براعتكم لتنفيذ مؤامرات ودسائس سوداء بحق أطفال بلدكم العظيم،بلد
الرافدين، ومستقبلهم.
يافنانوا وادباء وشعراء العراق ومثقفيه ... أليس
الأروع ان تكونوا في صف الحب العذري الخجول الذي يلمع ويتقد في عيون شباب وشابات
العراق ...فيوميات الموت المجاني في العراق لا تمنع الحب لا ..ولا تمنع الحياة
ابداً...
نحن مشتاقون إليكم والى أصواتكم العذبة وألحانكم
الفريدة أيضا... مشتاقون إلى خشبة المسرح التي تهتز اعجاباً بكم ... كما نفتقد
لوحاتكم التشكيلية التي أعجبت وأدهشت القاصي والداني ..... كما بإمكانكم الوقوف
على ضفة دجلة الخير والفرات العذب لترقصوا أمواجهما كما كانت ألحانكم وآهاتكم تفعل
حين تعبر من الضفة الى الضفة المقابلة..
هناك أفكار جديدة ومجال لكلمات رائعة والحان
عذبة تنبع كل يوم بل كل لحظة من صميم الفؤاد العراقي ، أليس من المرؤة والإنصاف
والوفاء أن تقفوا مع عراقكم في محنته ....
نعم لعملكم في وطنكم لون وطعم أخر.
وان كانوا خدعوكم أو أغروكم بالمال وجندوكم
وحملوكم سلاح الكلمة بوجه أطفال العراق وفتيانه وفتياته.. ولكنها كما نرى ، ليس
الا خدعة مؤقتة ، ساهمت فيها وقائع وظروف مرة. لا بد ان تليها صحوة .. هي صحوة
ضمير.
**************
نيسان 2008
فارس حامد عبد الكريم العجرش الزبيدي
ماجستير في القانون
نائب رئيس هيئة النزاهة سابقاً
باحث في فلسفة القانون
والثقافة العامة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق